مقالات الرأي | دعمت إيران حليفها السوري منذ بدء الثورة الشعبية في 2011؛ ولكن في منتصف 2015، وبعد تشكيل جيش الفتح، بدا أنه سيسقط، وأن كل ما فعلته سيذهب سدى. ذهب الجنرال قاسم سليماني وساهم بمجيء "الاحتلال الروسي" إلى سوريا، وهذا ساهم في إعادة تعزيز مواقف إيران ومليشياتها والنظام كذلك؛ واستفادت إيران كثيراً من انقطاع العلاقات السياسية بين تركيا وروسيا، ورغبت في استعادة حلب، وأن سوريا المفيدة، أي المناطق الخاضعة للنظام، كافية للحفاظ على مصالحها في سوريا، ولتُقسَّم الأخيرة، وبذلك يظل الامتداد الجغرافي من العراق مروراً بسوريا.. إلى لبنان قائماً كما يُحلل البعض.
مع قدوم القوات الروسية بدأت التغييرات في المنطقة، ولكنها ليست لصالح إيران، فتصاعدت الخلافات بين الدولتين، ولا سيما إثر فشل الاجتماع الثلاثي الأخير لوزراء الدفاع، السوري والإيراني والروسي، وتوضّحَ الفشل باجتماع وزير الدفاع الروسي برئيس النظام السوري في قاعدة حميميم، بما يتضمنه ذلك أن روسيا هي الحاكمة الفعلية لسوريا. هي رسالة للعالم وليست لإيران فقط، أي أن مفاتيح الحل والربط كلها بأيدي القيصر الروسي. التباعد الآخر ظهر من خلال العلاقات الروسية الإسرائيلية المتصاعدة، والتي سمحت لإسرائيل بضرب كل الأهداف العسكرية التي تراها مهددة لها، وبما يُضعف إيران وحزب الله، بل والنظام السوري ذاته. التباعد الأخطر جاء بسبب إعادة المياه إلى مجاريها بين روسيا وتركيا، والتي تشهد يومياً خطواتٍ تُعمقها. إيران التي توهمت أنها كسبت العالم بعد الاتفاق النووي، وبسبب الخلاف التركي الروسي، والتركي الأمريكي، تراقب المشهد الإقليمي، والذي تتراكم فيه علاقات جديدة توضح تراجع دورها؛ في هذا الإطار يمكن ملاحظة دعم أمريكا للتدخل السعودي في اليمن، والخطوات الأخيرة الرافضة لبقاء الهيمنة الإيرانية على العراق، عدا عن الاستياء الأمريكي المستمر من السياسة الإيرانية في العراق، وبالتالي هناك توضّع جديد يجب أن يُقرأ، ويُفيد بتشكيل "حلف" رباعي، تركي روسي إسرائيلي سعودي، وبالطبع لا يمكن لكل من إسرائيل والسعودية أن تتقبل أي وجود إيراني أساسي في سوريا؛ إذاً هناك تدوير للزوايا وللمصالح، وسيكون تأثيره كبيراً على مصالح إيران وأحلامها في كل المنطقة، سيما أنها أكدت مراراً أنها تكاد تُسيطر على خمس عواصم عربية، وأنها بديل السعودية بالنسبة لأمريكا، ومؤخراً حلمت بتشكيل فروع للحرس الثوري في العراق وسواها؛ وهذا أيضاً من الأوهام الخرافية، ويكمل ذلك أن المتابعات الصحفية تقول بتعثر العلاقات بين إيران وأوروبا فما زالت المصارف الأوربية تخشى الدخول للسوق الإيرانية.
إيران التي يبدو أنها حُشرت بالزاوية، لها مصالح كبيرة في سوريا، واستثمرت كثيراً فيها، وبالتالي لا يمكن ألا تؤخذ مصالحها بعين الاعتبار؛ وكل مشاورات سياسية تخص سوريا ولا تتنبه ستُفشلها إيران بالضرورة كما فعلت دائماً ولا سيما بموضوع مفاوضات جنيف وعدم الاعتراف فيها. بالعموم الخارطة الإقليمية تتغير، ويفترض بإيران ذاتها أن تغيّر من سياساتها، والحلف المذكور أعلاه لا يتضمن إيران بالضرورة، ولنقل سيساهم في إعادتها إلى وضعيتها كدولة في الإقليم وليست دولة مهيمنة على الإقليم؛ إيران التي أوغلت في دماء السوريين ستُلاحقها لعناتهم، ولن يكون ممكناً تَقبل وجودها ووجود مليشياتها في سوريا بما فيها حزب الله.
التغيرات الإقليمية تقول بضرورة الحل السياسي في سوريا؛ فالمصالح التركية الروسية الإسرائيلية تقتضي ذلك، وهذا سيعني تهميشاً لإيران وللنظام والنصرة وداعش، ولكنه بالوقت عينه سيضعف من دور المعارضة والفصائل المسلحة؛ ربما التسريبات المتعلقة بالمجلس العسكري السوري مؤخراً، والتضييق الكبير على المعارضة السورية في تركيا، تساهم في إفهام كل الأطراف السورية أن "الطبخة تكاد تستوي" وعليكم الخضوع الكامل. الحلف المُشكل علنية أو سراً سيبحث بحل بما ينسجم مع التنسيق الروسي الأمريكي، وبما لا يتعارض مع الإستراتيجية الأمريكية لسوريا، أي لا غالب ولا مغلوب، وتشكيل حكومة مشتركة ضعيفة.
إذاً، إيران التي تمسكت مطولاً بالنظام السوري، ورغم تأكيدها في أكثر من مناسبة أنّها قد تُخفف من ذلك لصالح حل توافقي إقليمي دولي، لن تخرج من "المونة بلا حُمص"؛ لكن "حصة الأسد" لم تعد لصالحها كما يبدو. إذا مع التغيرات المتسارعة وإن دعمها الأمريكان بشكل جدي، ووجدوا حلاً للموضوع الكردي ولدور رئيس النظام السوري مستقبلاً، سيتراجع الدور الإيراني بالضرورة.
ليست التغيرات الإقليمية ضد مصلحة إيران، كذلك فإن السوريين لن ينسوا التطييف الذي ساهمت فيه، ولا جرائم قواتها ومليشياتها، ولا دعمها لنظام قَتلهم منذ 2011 وقبل ذلك. يقع على تيارات المعارضة السورية التمييز بين الشيعة العرب والشيعة الإيرانيين، وتوضيح موقفها منهم وأنهم عرب وأن كل تغيير لن يكون على حسابهم.
الدعم السعودي للمعارضة الإيرانية في باريس ليس بداية النهاية لنظام الملالي، ولكنه مؤشر على تغيّر إقليمي ودولي ضده.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".