مقابلة أجرتها جريدة "دي فيلت" الألمانية مع بسام طيبي: خبير ألماني في العلوم السياسية من أصل سوري. ولد في دمشق 1944. وبروفيسور سابق في جامعة غوتنغن. له 37 كتاب باللغة الألمانية.
عندما وصلت إلى فرانكفورت بعمر الـ18 كنت تعرف أن تقول فقط باللغة الألمانية "أحبك يا فتاة" . لماذا لم تذهب إلى أمريكا أو باريس؟ لماذا ألمانيا؟
لقد كان قدري. ولدت لعائلة من أبرز العوائل الـ17 في دمشق. "نحن ارستقراطيون وألمانيا لا ترقى لمستواي." هذا ما قلته لوالداي. أردت الذهاب إلى أمريكا وكان لدي فكرة عن جامعة هارفارد. إلا أن أبي رفض ذلك حيث أرادني أن أعود في عطلة الصيف إلى دمشق. لكن في النهاية كنت سعيداً لقدومي إلى ألمانيا، لأنه لما كنت تعرفت على "أدورنو" و"هوركهايمر". الآن أبلغ من العمر 70 عاماً، أصلي أحياناً، ولم أكن يوماً ملحداً، وإنما ماركسياً لمدة عشر سنوات. أحب بلوخ Bloch، لأنه كان يهودياً. قال مرة: "الملحد الحقيقي مسيحي والمسيحي الحقيقي ملحد". لقد كان روحانياً.
اقرأ أيضاً: بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية… إيقاف طبيب سوري في ألمانيا
هل شتت الحرب الحالية عائلتك؟
كان اسمي مدرجاً في القائمة السوداء. في عام 1956 كانت آخر زيارة لي إلى سوريا. أبي وأمي متوفيان. أخي يعيش كلاجئ في السويد. وجزء من عائلتي في فرنسا وآخر في أميركا. قضى علينا أزلام الأسد في دمشق. كما في رواية "بودن بروكس" كل شيء ذهب أدراج الرياح. يحتوي كتاب تاريخ دمشق على مقطع كامل لعائلة الطيبي.
هل تحدثت مع اللاجئين الموجودين في غوتنغن؟
بالتأكيد لقد تحدثت مع آلاف من اللاجئين في السنة والنصف الماضية في غوتنغن وفرانكفورت وبرلين وميونخ. واستطعت أن أميز من لهجتهم أن أغلبهم ريفيون وليسوا من المدينة، والعديد منهم معادٍ للسامية. لقد تخليت عن هذه الثقافة. ومن بين من تحدثت إليهم، لم يكن هناك طبيب واحد أو مهندس.
هل تشعر بالسخط لقدوم الكثيرين؟
منذ مدة قصيرة تكلمت مع امرأة في أحد أسواق غوتنغن، وسألتها فيما إذا كانت لاجئة سياسية، لم تعرف هذه الكلمة على الإطلاق. جاءت من جنوب سوريا مع زوجها، وكانوا قد دفعوا نقوداً كثيرة لرحلة اللجوء. ما الذي سيفعلونه هنا؟ ينتابني الخوف من ذلك. يتحدث "أنتوني غيدنز" عن "الفقر الاثني". طبعاً إن الأزمة يتم التحكم بها. لا يوجد فعلاً أي سبب لفرحة الألمان.
إذا تعتقد أن اللاجئين جاؤوا إلى هنا فقط لأنهم سيحصلون على مساعدات مالية؟
أعرف عائلة صومالية، كانت قد عاشت في أوهايو الأمريكية. كان سبب تذمر الأب أن عليه العمل في أميركا مقابل أجر قليل. أخيراً نجح في أن يغادر أميركا إلى ألمانيا وأن يوهمهم بأنه هرب للتو من الصومال. لم تعجبه أميركا. إذاً لقد كذب. الآن لديه منزل وأطفاله الآربعة يدرون عليه نقوداً كثيرة، بقدر ما أتقاضاه كبروفيسور متقاعد. لقد مضى على وجوده في ألمانيا ثلاث سنوات ولا يتحدث كلمة واحدة باللغة الألمانية. وهذا ما لن يتعلمه. يجب أن يُسمح بالحديث عن حالات كهذه.
يبدي الأوروبيون، على الأغلب، قلقاً من هجرة المسلمين. هل يمكننا القول بأن اندماج المسلمين أضعف من الأقليات الآخرى؟ وهل لهذا علاقة بالدين؟
عندما مُنحت وسام الاستحقاق الألماني من الرئيس الألماني رومان هيرتسوغ، أعلنت مازحاً أنه إمامي سياسياً. "أنا من أتباعك" هذا ما قلت له لأخرق بذلك قانوناً إسلامياً، لأنه لا يُسمح للشخص أن يتبع إماماً غير إمامه. كما يجوز للمسلم أن يعيش بشكل مؤقت في مجتمع غير إسلامي. ولا يجوز له أنه يشابهه، هذا ما تربى عليه الكثيرون.
اقرأ ايضاً: ألمانيا: لا مكان آمن في سوريا لترحيل اللاجئين
أنت من وضع مصطلح "الإسلام الأوروبي".
يجب أن يحدث إصلاحاً في الإسلام. على الإسلام أن يكون قابلاً للتغيير، حتى لو رفض ذلك بشدة العديد من المسلمين. أصبحتُ طائراً مكسور الجناحين، كما قلت أيضاً أنني مستسلم وخائف، إننا سائرون على الطريق إلى مجتمعات موازية أكبر.
أحد جوانب نشوء المجتمعات الموازية هو غريزي. لأن الكثيرين ينشدون الإلفة معاً في الغربة، كما هو الأمر أيضاً بالنسبة للألمان في الخارج. لكن يوماً ما سيكونون في نفس الطريق.
لا تسير الأمور بشكل صحيح عند الوصول إلى أوروبا. أعرف المجتمعات الموازية اللبنانية في برلين بشكل جيد. هناك مجرمون كثر. إلا أن الأتراك أفضل حالاً حيث يعيشون غالباً كما لو أنهم في تركيا. وعندما ترى التأثير الذي يمارسه أردوغان، من خلال الجمعيات التركية، على الألمان المنحدرين من أصول تركية ستعرف حينها ما يتربص من مشاكل.
يوجد أيضاً العديد من الأجانب المندمجين ممن لا نراهم، يدفعون الضرائب، يرسلون أبنائهم للمدارس ولا يريدون لفت الانتياه.
قد يكون هناك 5 إلى 10 بالمئة من المسلمين في ألمانيا يعيشون مثلي، كأوروبيين. الشرط هو أساس اقتصادي آمن واللغة، وهو غالباً المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ولكن لا يفي بالغرض بمفرده. حتى أن أطباء سوريين وإيرانيين يعيشون تحت هذا الشرط، وعندما يأتي إليهم شخص ألماني يشعرون بأنهم غرباء.
كيف ترى في سياسة ميركل الفشل والإملاءات غير الديمقراطية؟ وتقول أنها تمحي صفة الغرب عن البلاد. أليس هذا عنصرياً؟
إن ميركل بقرارها السماح لمليون ونصف شخص الدخول إلى ألمانيا، إنها تغير ألمانيا بشكل هائل. ترى هذا في غوتنغن، حيث كانت سابقاً مدينة طلاب،20% كانوا أجانب، مدينة حالمة ومثالية، في هذه الأيام تبدو كمخيم للاجئين، حيث تمشي العصابات في الشوارع من الأفغانيين كانوا أم من الأريتيريين. إنه أمر مخيف. المجتمع في غوتنغن مذهول. وفوق كل شيء لا يوجد جلسات أو مناقشات في البرلمان. كل شيء تستقل بفعله امرأة بمفردها.
ما الذي علينا القيام به بعد توصيفك لمدينة غوتنغن؟
لم يعد يطاق الوضع. يأتي أشخاص بدون تأهيل مهني وبقليل من النقود. ويعيشون في مجتمع مزدهر، وهذا أمر لا يمكن معالجته. بمرور الوقت ستنشأ عصابات من هذه المجموعات. ستتفشى الجريمة في غوتنغن في غضون سنة. والفضل يعود للسيدة ميركل. هذه ليست بهجرة كما الحال مع أميركا، حيث يتم انتقاء المهاجرين المؤهلين. إنه كالانهيار الثلجي السكاني ينسكب فوقنا. ملايين أخرى تنتظر القدوم. لقد كنت في العيديد من البلدان الإفريقية، لا ديمقراطية هناك والفقر يتزايد.
تدعى حتى الآن بـ"سوري يملك جواز سفر ألماني" إلا أنه أكثر جواز سفر مرغوب في العالم.
جواز السفر يعني الرفاهية والأمان. أتحدث عدة لغات إلا أن الألمانية هي المحببة لي. درسّت في غوتنغن 37 عاماً ولم أعش ما عايشته في أميركا، كلما عدت أقول لنفسي سأرجع إلى "أولا Ulla" زوجتي منذ 40 عام. اللغة الألمانية، التي ألفت بها 30 كتاباً، وزوجتي "أولا" هما وطني.