يقول المثل الشعبي: "خذ أخبارهم من صغارهم"، ليس هناك أصدق من الأطفال ليخبروك عن تداعيات المقتلة السورية المستمرة على بلادهم منذ خمس سنوات، بعيداً عن تنميقات السياسيين، وجمهور كلا الطرفين، أطفال سوريا في شوارع تركيا ولبنان والأردن ومصر وأيضاً شوارع مدنهم السورية، ناهيك عن عشرات بل مئات الأطفال الذين إما ابتلعهم البحر أو اختفوا في ظروف غامضة.
ينتشر الأطفال في الشوارع ليس من أجل اللعب بل من أجل التسول أو بيع الورود والمحارم الورقية وأشياء أخرى، مؤخراً عرضت إحدى المحطات الإخبارية تقريراً عن عمالة الأطفال السوريين، كان لافتاً أن عدداً منهم يريد أن يصبح طياراً كي يسافر بعيداً، واسترسل أحدهم بالقول إن جناح العصفور ليس قوياً ويلزمه ريش، وأنا أريد أجنحة قوية كأجنحة الطائرة. هذه الأمنية تعبر عن حالة القلق وعدم الاستقرار والرغبة بالخلاص من واقع أليم فرضته السنوات الخمس الأقسى في تاريخ سوريا الحديث.
هل يعي جميع الأطراف حجم تلك الكارثة؟! أم أنهم مشغولون بإحصاء انتصاراتهم ومكاسبهم العسكرية والتعبوية؟! جيل كامل بلا مدارس وبلا مأوى، دون حماية أورعاية، أطفال كثر يتم استغلالهم جسدياً وجنسياً دون حسيب أو رقيب!
إن المحنة الكبرى ليست في خراب الحجر، بل في خراب البشر، النفوس التي تدمرت وأصبحت تعاني من أمراض نفسية مزمنة، لا يقوى أحد عليها، هل هناك أقسى من طفل لا يجد من يحميه، ولا من يمد له يد العون؟
حياة باهظة الثمن تمنع الأهالي من إرسال أطفالهم إلى المدارس، حيث تبلغ نسبة الطلاب المتسربين من المدارس السورية 45 بالمئة، من كانوا من المفترض أن يبنوا المستقبل أصبحوا بلا مستقبل.
حادثة توقيف خمسة عشر طفلاً في درعا، بعد كتابة عبارات داعية لإسقاط النظام كانت أحد أهم الأسباب المباشرة لقيام ثورة الكرامة، أما الآن فآلاف الأطفال بلا كرامة.
يقول تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام ٢٠١٤ حول أثر الحرب على الأطفال في سوريا: "إن استمرار الحرب يهدّد مستقبل 5.5 ملايين طفل سوري، وهؤلاء جميعهم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. منهم 4.3 ملايين طفل داخل سوريا و1.2 مليون طفل لاجئ. وتشير مصادر أخرى إلى استشهاد قرابة 4300، وتهجير حوالى 2 مليون طفل، وبقاء نحو مليون طفل تحت الحصار وجميعهم يفتقدون إلى أدنى الخدمات الإنسانية والصحية والطبابة، والأسوأ أن جميعهم محرومون من التعليم".
يشير أطباء إلى ارتفاع عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية، والالتهاب الرئوي والإسهال. فمعدّلات التلقيح، انخفضت وفق تقرير اليونيسيف من 99 % قبل الأزمة إلى 52 % عام 2012. كذلك ارتفعت عدد الإصابات بالليشمانيا من أقل من ثلاثة آلاف قبل الحرب إلى أكثر من مئة ألف".
وفي نفس العام الذي صدرت فيه تلك الدراسة توفي 15 طفلاً وتم إنقاذ 60 منهم، بعد حملة تلقيح ضد الحصبة في محافظة ادلب المسيطر عليها من قبل المعارضة وحدثت تلك الكارثة نتيجة فساد واستهتار بأرواح الأطفال في استخدام اللقاح بطريقة مميتة، ولزيادة الفاجعة فإنه لم تتم محاسبة أحد قانونياً بل اكتفى الائتلاف بالإقالة الإدارية، فأُقيل وزير الصحة في الحكومة السورية الموقتة ورئيسة وحدة تنسيق الدعم سهير الأتاسي لتعود الأخيرة في وفد الهيئة العليا للمفاوضات فقط، فتمت لفلفة القضية على اعتبار أن أم المعارك هي ضد النظام.
في عام 2011، انطلقت دعوات إلى عدم ذهاب الطلاب إلى المدارس، وكانت الدعوة بعنوان: "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس"، تم تسجيل فيديوهات لأطفال على أنهم انشقوا من منظمة طلائع البعث، فتظهر طفلة من إحدى القرى السورية تناشد العرب والمسلمين وتعلن انشقاقها عن منظمة طلائع البعث وتقول هذه هويتي، وفي فيديو آخر يظهر طفل صغير أيضاً يعلن انشقاقه عن منظمة طلائع البعث وخلفه شقيقته الصغيرة التي لا تتجاوز السنوات الخمسة وموشحة بالسواد.
بالرغم من أن التظاهرات كانت تُستهدف نارياً من قبل قوات الشرطة والأمن، إلا أنه كان يتم استقدام الأطفال للخروج فيها، وكان يدافع الكثير من "المثقفين" السوريين عن فكرة خروجهم وضرورتها رغم مخاطرها، فأصبحوا كشيوخ الفتاوى، يبررون ويباركون أي عمل دون النظر لنتائجه الوخيمة بحجة نصرة الثورة ومواكبة حركة الشارع.
في مواضع عدة خطيرة لم نجد أحداً ينتقد أخطاء ومطبات من كان محسوباً على الثورة، وبالطبع خوفاً من أن يحسب على النظام، لربما كان من المفترض بمؤسسات المعارضة المدنية والسياسية أن تكون بمستوى المسؤولية، مئات الأطفال في شوارع استنبول وغازي عنتاب حيث يكثر "نشطاء" الثورة السورية، دعونا نتساءل مثلاً: هل قام أحد ما بتوزيع الطعام عليهم في رمضان مثلاً؟ هل ذهب وفد من مؤسسات المعارضة الرسمية إلى المخيمات في لبنان أو الاردن وتركيا، والتقى بهم على وجبة غداء أو إفطار؟
أموال لا تعد دخلت إلى جيوب كثيرين كانت مخصصة لأطفال المخيمات وعوائلهم من يحاسبهم؟ لا أحد.
لا يكفي أن تقول أنا معارض، ثم تكتفي بالكلام ومجرد الكلام، الإحساس بالمسؤولية لايحتاج طلباً أو توصية، ولا يجب إلقاء اللوم فقط على النظام للتهرب من المسؤولية. هؤلاء كلهم أطفال سوريا ومستقبلها المسروق ماذا قدمنا لهم؟
يقول أحدهم: "أعطوني المال الذي أنفق في كل الحروب وسوف أكسو أطفال العالم بملابس الملوك التي يفتخرون بها".
في سوريا ما عجز عنه الفساد أكلته الحرب، تشير دراسة أجراها مركز "فرونتيير إيكونوميكس" الأسترالي للاستشارات، ومؤسسة "ورلد فيجن" الخيرية، أن خسائر حرب سوريا قد تتجاوز تريليون دولار، دون أن يعي أي من الطرفين هول الكارثة المدمرة التي يعيشها السوريون يوماً بعد يوم وسط شعارات أكلت الأخضر واليابس ونسيت أطفال سوريا.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".