اختار أبو المجد البقاء في مدينته الزبداني، رغم الظروف الصعبة واضطراره لتناول الحشائش والأشواك، كوجبات رمضانية!
بعدما كانت تعج بالحياة، أصبحت الزبداني بريف دمشق، مدينة شبه مهجورة، لم يبق فيها إلا 170 شخصاً، نتيجة الحصار المرير الذي تتعرض له من قبل قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني، منذ أكثر من عشرة شهور.
أبو المجد أحد ناشطي المدينة، قرر البقاء والصمود في مدينته رغم كل المعاناة، مفضلاً انتظار الموت على الابتعاد والرحيل عنها، بحسب تعبيره، ومع بداية الحملة الشرسة على المدينة منذ تموز العام الفائت، طرق الجوع بابه كغيره من الباقين، فاضطر إلى التعايش مع الوضع الجديد.
يقول الرجل بحرقة: "أذكر جيداً كيف كنا نقتات على طعام الدواب، وكيف كنا نبحث عن الحشائش تحت الثلج والمطر كي نستمر بالعيش، ومع إدخال مساعدات الأمم المتحدة منذ 3 شهور، اقتصر طعامنا على العدس والبرغل، وما زرعناه من ورق فجل وتوت".
حتى أوراق الأشجار نفدت
لأول مرة في تاريخ البشرية، تخلو مدينة من النساء والأطفال تماماً، بحسب أبو المجد ومصادر عديدة، بعد نزوح وتهجير الكثير من عائلات الزبداني إلى مدينة مضايا والبلدات المجاورة لها.
"كان يمر علينا أسبوع بالكامل دون أن نأكل أي شيء، تناولنا أوراق الأشجار حتى نفدت، كنا نتشارك كأس الرز الواحد إن وجد مع بعضنا"، يقول أحمد، أحد شبان المدينة الذين فضلوا البقاء، مضيفاً: "في إحدى المرات أُجبرنا على ذبح حصان هارب من النظام وتناولنا لحمه، وكان الناس يتسابقون كلما رأوا بقعة تنبت فيها الحشائش، بصراحة الحياة صعبة للغاية في هذا الكيلو متر المربع".
يلملم أهالي الزبداني أنفاسهم وسط دمار هائل، بعد اتفاق الهدنة المبرم بين النظام السوري وحزب الله من جهة، والمجموعات المسلحة المعارضة من جهة أخرى، والذي شمل أيضاً بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام والمحاصرتين في إدلب.
وبموجب الاتفاق تم إجلاء أكثر من 120 مسلحاً ومدنياً من الزبداني للانتقال إلى تركيا، وأكثر من 335 شخصاً بينهم جرحى ومدنيين من الفوعة وكفريا لنقلهم إلى لبنان، تنفيذاً للمرحلة الثانية من الاتفاق الذي عقد في سبتمبر العام الفائت بإشراف الأمم المتحدة، وشمل في مرحلته الأولى وقفاً لإطلاق النار في المناطق الثلاث وإدخال المساعدات الأممية.
أزمة طبية!
تعاني الزبداني أوضاعاً طبية كارثية، عقب أربع مرات من القصف الذي طال المشفى الميداني الوحيد في المدينة.
يؤكد رئيس الهيئة الطبية عامر برهان، أن القصف أدى إلى دمار المشفى ومقتل العديد من المرضى والممرضين فيه، وفقدان الكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية، إلا أنهم وبعزيمة كبيرة تمكنوا من إعادة ترميمه.
يقول برهان: "مع بداية الحصار، عانينا من شح كبير في الأدوية والمستلزمات، استخدمنا شراشف النوم كشاش للجروح، وكانت أعداد الجرحى تزيد عن 250 جريحاً، بعضهم كان في حالة حرجة، ومازاد الطين بلة قيام حزب الله بقنص واستهداف الطبيب الوحيد المتواجد في المدينة".
ولم يمس الحال أفضل رغم إدخال مساعدات الأمم المتحدة إلى الزبداني ومضايا في شهر آذار من العام الجاري، على حد قول عامر، ما دفع البعض من الممرضين إلى الفرار بحياتهم عبر الجبال، وسبب أزمة طبية كبيرة في الزبداني، وخصوصاً بعد انتشار سوء التغذية بين المحاصرين، ووقوع بعض حالات الإغماء بينهم.
طبيب بيطري؟
بعد تهجير ونزوح العديد من أهالي الزبداني إلى مضايا، تفاقمت معاناة أكثر من 40 ألف إنسان في مدينة مضايا، والتي ترزح هي الأخرى تحت وطأة حصار جائر منذ تموز العام الفائت، فيما قضى أكثر من 150 مدنياً نتيجة الجوع.
يوضح عامر برهان: "الأوضاع مأساوية في مضايا، بما أنها تضم العديد من الأطفال والنساء وكبار السن، فلا يوجد كادر طبي ولاحتى أدوية لعلاج الحالات المستعصية التي تحدث هناك، يضاف إلى أن مياه الشرب ليست معقمة، والأهم من ذلك أن الطبيب الرئيسي في المدينة هو طبيب بيطري، وهو الذي يشرف على علاج حالات الجوع وغيرها من الأمراض المزمنة".
لم تفلح المطالبات حتى الآن بفك الحصار عن مضايا، بعد محاولات مضنية من نشطاء سوريين في مناطق عدة من الريف الدمشقي، عبر إطلاق حملات لإنقاذ المدينة المحاصرة، من ضمنها تلك الحملة التي طالبت الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات فورية في سبيل فك الحصار، وخاصة بعد كثرة حالات الموت جوعاً في مضايا.
مسعف وحيد في الزبداني
يصر عامر على البقاء في المدينة والعمل بمهنته، كمسعف وحيد وحصري في الزبداني، فحين يراه الناس يعلمون جيداً أن الموت يبعد عنهم مسافة طويلة.
التقت روزنة بعامر، الذي أكد أنه يعشق كل حجر في الزبداني، موضحاً: "لي في كل شارع بالزبداني صديق شهيد، إن كان علي أن أنتظر الموت فسأنتظره في المكان الأجمل، لكنني اليوم أشعر بالمرارة والغصة لأننا نتجرع الهزيمة في مدينتنا بسبب مايحدث".
بحسب ناشطين، فإن اتفاقاً سرياً جرى بين حركة أحرار الشام وحزب الله اللبناني مؤخراً، دون أن يعلن من بنوده شيء، إلا أن تسريبات إعلامية أفادت أن الاتفاق يقضي بتسلم الزبداني في 28 حزيران الجاري، مقابل وقف القصف على إدلب.