البديل السوري ممكناً

البديل السوري ممكناً
القصص | 28 يونيو 2016

مقالات الرأي | قال مرة فاروق الشرع وكان نائباً خالداً للرئيس السوري وفي سياق تتفيهه للمعارضة إبان ربيع دمشق: إن المعارضة لا يمكنها أن تدير مدرسة ابتدائية؟ السيد أوباما، سيء الذكر عند سكان كوكب الأرض، قال متهكماً على المعارضة أن أطباء الأسنان والمزارعين ليس بمقدورهم إسقاط النظام السوري؛ المنطق هذا يقول أن لا بديل عن النظام إلا بمشاركة النظام ذاته، أي لا حل سياسي ممكناً دون النظام، وان الحل العسكري مرفوض بالكامل، ولأنه كذلك فقد قُتر على المعارضة بكل أنواع السلاح، وليس فقط بمضادات الطيران؛ وحينما تبيّن أن بمقدور الفصائل المسلحة هزيمة النظام أُدخلت الجماعات الجهادية وداعش، وقامت هذه المنظمات بقتل واجتثاث من لم يقتله النظام! وبعد ذلك حاولت أن تشكل فصائلها التابعة لها، ولكنها لم تستطع أن تكون بمهارات وخبرات وعزيمة وعقائدية الفصائل المُشكلة محلياً وبسياق الثورة، عدا أن اشتراط الأمريكان عدم محاربة النظام؛ ولكن السؤال هنا هل فعلاً المعارضة وهيئات الثورة ليس بمقدورها تشكيل بديل عن النظام أولاً ثم داعش ثانياً وكذلك عن البايادي ثالثاً، ولو صح ذلك والتفكير الامبريالي والإقليمي كذلك، فإن من ذكرتهمباقون؟! طبعاً الإعلام الأمريكي يقول: لا بديلعن داعش إلا النظام أو البايادي؟!

ما يجب ألا يغيب عن دماغ المتابعين لتصريحات أوباما أو النظام أو الآخرين، أن الثورة أنتجت مؤسسات تمثلها، وحاولت أن تدير شؤونها تؤمن حاجات المواطنين في دائرة سلطتها، ولكنها أُفشلت عبر الحل الأمني والعسكري، أي عبر الاعتقال والقتل ولاحقاً التهجير، وكذلك المعارضة دجنت قيادات ثورية بواسطة المال السياسي وفشلت كل هيئاتها بما فيها حكومتها المؤقتة في تأمين احتياجات المواطنين؛ وبخصوص البايادي قام بدوره بالتضييق على الثوار الكرد الأوائل وهو ما أجبرهم إما على الصمت أو الرحيل من أرض الإدارة الذاتية أو الفدرالية الخالدة، أي لم تتشكل إدارة ذاتية بل إدارة سياسية لصالح تنظيم البايادي، داعش لا ضرورة للكلام عنه فقد شُكّل بهدف اجتثاث الثورة كما كل الجهاديات.

المؤسسات التي مثلت الثورة هي بشكل رئيسي: التنسيقيات، كإطار إعلامي لنقل أخبار ونشاطات الثورةوالمجالس المحلية، وقد ظهرت كبديل خدماتي وسياسي عن مؤسسات الدولية، وكان للشهيد عمر عزيز دوراً أساسيّاً في ظهورها، وفعلاً قامت بنشر أفكار هامة، وهناك الجيش الحر؛ الظواهر الثلاثة عمّت سوريا، وظهر أنها تطابق الضرورة الاجتماعية الجديدة، أي تساهم في إدارة شؤون المناطق الخارجة عن النظام ولديها طموح لتكون بديلاً عن المؤسسات الخاضعة للنظام ذاته.

صادرت القوى السياسة بشكل واعي أو غير واعي المؤسسات التي أنتجتها الثورة، وظهر الأمر بشكل جليّاً في افتتاح فروع تنسيقيات بعينها عمّت كل سوريا، وكذلك قامت قيادات إخوانية ولا سيما مصطفى الصباغ بالتحديد بالإجهاز على التجربة الديمقراطية للمجالس المحلية ومحاولة إلحاقها به، والأمر ذاته يخص الجيش الحر، فقد عُزلت أغلبية ضباط الجيش المنشقين، وتسلّمت قيادة الفصائل شخصيات محلية وتخضع لاعتبارات العائلية والعشائرية، ولكن ذلك كله لم يسمح بتصفية الثورة، فكانت الأسلمة والجهادية الطغيانية وفوضى السلاح والتبعية للخارج وإطالة عمر النظام؛ تشكيلات المعارضة لم تطرح على نفسها تشكيل قيادة ثورة وتوجيه كل أعمال الثورة وضبط العلاقةمع الخارج؛ فهي لم تكن واثقة بقدرة الثورة على الانتصار وكان ديدن حديثها التدخل العسكري والحماية الدولية والحظر الجوي وتدخل تركيا والسعودية وقطر ولا بأس بوجود الإسلاميين وهكذا؛ هذا التفكير والمرتبط مع إنشاء علاقات سياسية ومالية مع دول خارجية، وربط مجموعات ثورية بهذا المال وهذه الدول، ساهم كل ذلك بتفكيك المؤسسات الثورية الجديدة، والتي كانت بمثابة إدارة محلية بديلة عن مؤسسات الدولة، وطبعاً نشأت مجموعات لتأمين الإغاثة والطبابة والتعليم والمسائل القانونية، ولكن كل ذلك لم يُسمح له بالتطور، وبالتالي فشلت الثورة في إشادة مؤسسات فاعلة تمثل حاجات الشعب الثائر وغير الثائر كذلك.

النظام الذي لطالما تفاخر بقدرته على تمثيل سوريا، بدى ومنذ 2011 يسخر كُل مؤسسات الدولة في خدمة الحل الأمني والعسكري، أي أنها ليست مستقلة بذاتها، وليس فيها أي فصل بين السلطات؛ ورُصِدَهذا من خلال 11 مليون إنسان سوري مهجر داخلياً وخارجياً، ومن خلال مدن مدمرة وأكثر من نصف مليون سوري قتل من المعارضة أو المواليين، عدا عن انهيار كامل للخدمات وارتفاع الأسعار وفشل الدولة في تأمين كافة احتياجات البشر بشكلها الأولي، وبالتالي وضمن هذا الواقع لا يمكن القول أنالنظام يدير مؤسسات للدولة بنجاح.

إذا يمكننا القول إن سوريا أصبحت تتطلب حلاً سياسياً، ودولة جديدة، ومؤسسات تعمل بشكل قانوني، وهذا يسري على كافة مدن وبلدات وقرى سورية؛ نقدفاروق الشرع للمعارضة أثبت أنه ينطبق على النظام كذلك، ففاروق نفسه أصبح بلا صلاحيات لأنه أبدى تحفظاً إزاء ممارسات النظام الكارثية، فليس بإمكان النظامالسماح بتسيير مدرسة ابتدائية بشكل مستقل وكذلك ما قاله السيد أوباما أيضاً تبيّن أنه كذب صريح، فالسوريين أنتجوا هيئات لإدارة شؤون المواطنين، ولكن كل ذلك اجتُثَلأنه يسمح بمستقبليدير فيه السوريين شؤونهم ويسمح له ولسواه بالتدخل في تشكيل دولتهم الجديدة.

مشكلة سوريا الآن، أن التنسيق الأمريكي الروسي لم يصل إلى مرحلة متقدمة وأيضاً تحوز وجهة النظر التالية قيمة كبيرة وهي أناعتبار أمريكا تترك المنطقة لتغرق بحروب مستمرة وأن تنغمس روسيا فيها؛ المشكلة ليست إذاً أن سوريا الثائرة ليس فيها بديل، فهذه حجة تافهة، فسوريا أنتجت بديلها، وليس أقله أنها وبمجرد سريان الهدنة السابقة عاد الشعب ليتدبر شؤونه، وأيضاً أهل معرة النعمان يواجهون النصرة بتخطيط مستمر لمظاهراتهم، ولأكثر من 100 يوم ويديرون شؤون بلدتهم؛ إذن هناك إمكانية ليدير السوريين شؤونهم بعيداً عن النظام الحالي وداعش والبايادي والنصرة وكذلك بقية من أشاد دولته بالضد من مصالح الناس كجيش الإسلام وجيش الفتح وسواهما.

البديل وفقاً لما أوضحنا يتطلب مشروعاً وطنياً، تنجزه كافة القوى السياسي انطلاقاً من الإقرار بأن المشروع السابق هو الوحيد القادر على تجاوز خلافات النظام والمعارضة وكافة أسباب الخلاف بين السوريين، وأينما كانوا.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق