آلاف السوريين على الحدود الأردنية والحياة على المحك!

آلاف السوريين على الحدود الأردنية والحياة على المحك!
تحقيقات | 28 يونيو 2016

على الحافة الشرقية المهجورة من الحدود السورية-الأردنية، حيث قُتل ستة جنود أردنيين في عملية انتحارية، يوم الثلاثاء، على بعد أميال من أقرب بلدة، هناك أزمة إنسانية في تزايد.

هناك، في المنطقة المنزوعة السلاح التي تمتد بين سوريا والأردن مثل حزام ضيق، تجمع أكثر من 60 ألف لاجئ سوري حول البؤرة الحدودية النائية التي تدعى "رقبان"، وهي واحدة من نقاط العبور الأخيرة، حيث أدخل حراس الحدود الأردنية عددا من اللاجئين قبل إغلاق الحدود نهائيا بعد العملية الانتحارية.

ومع وصول أعدادا أكبر من اللاجئين، تكوّم الناس بلا غذاء أو ماء أو دواء في صحراء تضربها الرياح، وبات اللاجئون هناك محور الحديث العالمي الإنساني.

وبحسب صحيفة The National، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية في عام 2015، 2000 شخص معظمهم أطفال ونساء، كانوا قد خيموا شمال الساتر الرملي الذي يفصل بين الأردن والمنطقة الحدودية المنزوعة السلاح، وبحلول نهاية العام أصبح عددهم 12 ألف، وفي كانون الثاني عام 2016، أظهرت الأقمار الصناعية صور 20 ألف شخص تقطعت بهم السبل في الصحراء.

وتحت ضغط من الولايات المتحدة الأميركية وعدد من حكومات الاتحاد الأوروبي، بدأت الأردن بقبول عدد أكبر من اللاجئين من "رقبان"، وزيادة المساعدات الغذائية والطبية للاجئين الذين بقوا شمال الساتر الرملي، وتغير الوضع منذ ذلك الوقت.

تحولت الأزمة الإنسانية فجأة إلى أزمة أمنية، حيث وصل عدد الناس في "رقبان" فوق كل التوقعات، بعد هروبهم من بلادهم بسبب القصف الجوي والدمار وفقدان الأمان.

السلامة في رقبان مجرد وهم

الناس الموجودون في رقبان لم يعودوا مجرد مجموعة من اللاجئين الأبرياء، حيث أصبحت هناك بيئة من الطفيليات حولهم، من مهربين وتجار منتفعين يبيعون الطعام والدواء بأسعار عالية جدا، وقطاع طرق.

توسعت المستوطنة وأصبحت بحجم مدينة صغيرة، وتلاشت أي قدرة على السيطرة عليها من قبل السلطات الأردنية، ويمنع دخول حراس الحدود الأردنية إلى المنطقة قانونيا بشكل كلي، حيث لا يستطيعون الوصول أبعد من الساتر الترابي.

تقول إحدى عاملات الإغاثة التي تستطيع الدخول إلى المنطقة والتي أجرت اللقاء باسم مستعار خوفا من التأثير على وصول منظمتها إلى المنطقة: "إنها فوضى عارمة، ووضع غير مقبول أبدا".

وأضافت: "نحن نتخلى عن أكثر الناس تضررا من هذه الفوضى، الأطفال والنساء والعائلات التي تعيلها النساء، حيث يتم التعامل معهم وكأنهم طعم لعصابات مجرمة أو وكأنهم المجرمين أنفسهم".

أما بالنسبة للحكومة الأردنية، فإن انزلاق رقبان إلى الفوضى، هو مصدر قلق لاستقرار المملكة.

يقول المتحدث باسم الحكومة الأردنية (محمد المومني): "هذا الوضع يثير المخاوف الأمنية، ليس بسبب عناصر داعش فقط، ولكن أيضا بسبب بيئة يسكنها عشرات الاف الناس وينعدم فيها القانون".

ووفقا لمصادر أمنية أردنية، هناك معلومات استخباراتية موثوقة حول وجود بطاريات وغيرها من أدوات صنع قنبلة قرب الحدود، كما صودرت هواتف نقالة محمّلة بصور وأناشيد لداعش.

يقول أحد عمال الإغاثة أن الحكومة الأردنية تستخدم طائرات بلا طيار لمراقبة الوضع في المنطقة، تنطلق من القاعدة العسكرية في رقبان على بعد 2 كم من الحدود: "كل لقطة، كل شجار من أجل الموارد، تلتقطها الطائرات بلا طيار".

هناك فقط 4 صنابير مياه في المنطقة، يغذّيها أسطول مكون من 40 صهريج على الأقل، حيث يصطف الناس كل يوم في الشمس لملء الدلاء البلاستيكية والزجاجات، ويقول لاجئون خرجوا من قربان مؤخرا، أن هذه الشجارات تبدأ من أجل دور على الطابور وتنتهي بنزاع قَبلي وأعمال شغب.

حتى في الأيام التي تمر دون وقوع حوادث من أجل المياه، فإن الماء الذي يصل إلى المنطقة لا يكفي عدد الناس الموجودين هناك، ووفقا لعمال الإغاثة فإن كميات المياه التي تصل توزع على الناس بمقدار خمسة ليترات للفرد الواحد، في حين أن المعيار الدولي الإنساني هو 22 ليتر للفرد الواحد في حرارة الصحراء كحد أدنى، وبحسب بيانات الأمم المتحدة فإن أكثر من ثلثي سكان الساتر الترابي نساء وأطفال.

ميديان مزوق، الذي خرج مع زوجته وأبنائه الأربعة من هناك، يقول: "كان هناك الكثير من القتال البدني في خطوط الرجال خلال توزيع الوجبات، والأسر التي لديها عددا أكبر من "الفتية" تحصل على كميات أكبر من الطعام، بسبب قدرة أبنائهم على القتال على الطابور، أما رجل بدين وبطيء مثلي قد يبقى دون طعام".

يحتاج الناس في رقبان للمال لشراء حاجياتهم بضعف ثمنها من السوق السوداء هناك، إلا أن معظمهم لا يملك المال.

أم طارق من ريف حلب، أم لستة أطفال، خرجت من رقبان بعد أن أمضت هناك شهرين ونصف، أخبرتنا أنها اضطرت لشراء مسكن للألم وخافض للحرارة لأبنائها بسعر 350 ليرة سورية، بينما يبلغ سعره الحقيقي 100-150 ليرة سورية، وأنها أنفقت آخر ما تملك ثمنا للدواء.

ووفقا للاجئين الذين خرجوا من هناك، فإن معظم البضائع الموجودة في "رقبان" تباع بضعف ثمنها، حيث يتوفر لحم الضأن لأولئك الذين يملكون المال بسعر 1200-1500 ليرة سورية للكيلو الواحد.

يوضح "ميديان" أن اليأس هو ما دفعه لشراء البضائع بهذه الأسعار الباهظة طوال فترة إقامته في رقبان. "ليس لديك خيار آخر، قد يبيعك الطماطم ب 300 أو 500 ليرة سورية وتشتريها، فقط لأنك تعرف أنه لا يوجد طماطم في مكان آخر".

وبينما تبقى السلطات الأردنية خارج الساتر الترابي، يتفشى حاليا مرض الليشمانيا بين السكان، وهو مرض تنقله ذبابة الرمل.

الأوضاع الأمنية والغذائية والصحية المتردية، ليست مشاكل رقبان الوحيدة، فموقعه القريب من النشاط العسكري يجعله مكانا لا يؤمّن السلامة لسكانه، ويبعد 2 كم فقط عن قواعد الجيش الأردني، حيث يوفر كل من: القوات الخاصة الأردنية والبريطانية والأميركية الدعم العسكري لقوات المعارضة التي تدعى "قوات سوريا الجديدة"، التي تقاتل داعش على بعد أقل من 15 كم عن الساتر الترابي.

في الأسبوع الماضي، كان هناك ثلاث ضربات جوية على قوات سوريا الجديدة من قبل الطيران الروسي، ثم في يوم الثلاثاء، انفجرت سيارة مفخخة في برج المراقبة 22، على بعد 5 كم من رقبان فقط، حيث قُتل ستة جنود أردنيين وأصيب 14 آخرين بجروح.

بالنسبة لعمال الإغاثة، فإن العمل هناك أصبح أكثر صعوبة بسبب تزايد الأعمال العسكرية في المنطقة، تقول عاملة في مجال الإغاثة: "لا يوجد أي أمان هناك". وتضيف: "هل تعتقد أن الوضع سيء الآن؟ انتظر حتى ترتفع الحرارة أكثر في شهر آب، عندما سيرتفع عدد السكان إلى 100 ألف نسمة، عندها سترى الفوضى الحقيقية".

 

ترجمة: هلا البلخي


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق