الكتاب السوري.. ضحية حرب أم منفى؟

الكتاب السوري.. ضحية حرب أم منفى؟
القصص | 27 يونيو 2016

ربما كان قدر هذه البلاد التي اخترعت الحرف وخطت بالحبر والأمل أحرفها، وكتبت تاريخها بأجمل الخطوط أن يهجر أبناؤها كتبهم الأثيرة تاركين على صفحاتها بصماتهم.

وبينما ترك السوريون مكرهين بيوتهم مخلفين فيها مكتبات بمئات آلاف الكتب، كتب كانت تضج بالحياة وتحلق بهم إلى عوالم أخرى، سجلت التاريخ أو استشرفت المستقبل، كان لبعضها لغة مجنحة لكن في أسوأ كوابيسها لم تتوقع هذه الكتب أن تكون نهايتها جثثا مرمية يأكلها الغبار أو تحرقها نار الحرب أو تقع أسيرة أمراء الحرب الذين لا يشبعون.

فيما تعلق السوريون بأجهزتهم اللوحية وهواتفهم في مهاجرهم ومغترباتهم وخيامهم، يتصفحون بعيون مترقبة الأخبار لحظة بلحظة، بين العاجل التحليل، أملاً في خبر يثلج صدورهم.

تغرب السوريون حتى عن كتبهم الأثيرة، وحرم أطفالهم في الآن ذاته حتى من كتبهم المدرسية، ونشأ جيل سوري بكامله لا يعرف القراءة والكتابة، فيما عرف عن السوري ولعه بالعلوم والآداب وتفوقه فيها وتميزه بهذا التفوق بين أقرانه الناطقين بلغة الضاد.

وأمام هذا الواقع المر يحلو للنظام في حرب إعلامية موجهة التطبيل لمكتبة بألفي كتاب في حلب، يعتبرها "رمزاً للصمود"، حلب ذاتها التي يمطرها بالقذائف وبراميل الموت، فيما جمع شبان سوريون وفهرسوا مكتبة أسموها "بيت الحكمة" أسسوها بخمسة عشر ألف كتاب لتكون جنة للقراءة في مدينة صغيرة كـ دوما يتعرض سكانها للقتل بمختلف صنوفه، سجل هؤلاء الشبان الواعدون بدقة ملكية كتبها تمهيداً لإعادتها لأصحابها فور عودتهم من منافيهم.

وبين هذا وذاك تم نهب مكتبات كثيرة والتنازع عليها ومن بينها مكتبة المركز الثقافي في كفرنبل بمعداتها التي كانت نهبا لأمراء الحرب فيها، حيث حاول ثوارها وناشطوها حماية هذا التراث الثقافي والذخيرة المعرفية، فكان أن توالى على احتلال مركزها الثقافي كتائب متناحرة ولم تسلم الكتب فيه أو معدات الصالات من نهبهم وسرقتهم وانتهى بها الأمر غنائم حرب في مكاتبهم.

ورغم المعاناة المستمرة للكتاب السوري، وربما بسبب من هذه المعاناة ظهرت كتب نذرت نفسها للسوريين لم يكن كتابها سوريين بالضرورة، ومن بينها كتاب اللبنانية بربارا مسعد الذي وضعت وصفاته وخصصته ريعه لمساعدة اللاجئين السوريين في لبنان وكان باسم "حساء من أجل سوريا".

فيما حظيت كتب سورية كثيرة بالاهتمام العالمي ورصع صدر صفحاتها بأهم الجوائز، فنال خالد خليفة جائزة نجيب محفوظ عن روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة"، ونال السوري سامر شحادة عن روايته "حقول الذرة" جائزة الروائي السوداني الراحل الطيب صالح، وحظي كتاب السورية سمر يزبك "تقاطع نيران" بعدة جوائز عالمية، ولفتت الكاتبة السورية كفاح علي ديب الأنظار إلى قصصها للأطفال فاستحق كتابها "نزهة السلحفاة" جائزة الشارقة للإبداع العربي، وعشرات غيرها من الكتب السورية تم تكريمها ولا تتسع الكلمات هنا لذكرها جميعها.

فهل كان هذا التكريم للكتب السورية اعتذاراً عن التواطؤ والصمت العالمي إزاء الجريمة الخرساء بحق ملايين الكتب في سوريا، ضحايا الحرب والمنفى؟

ربما، لكن المؤكد أن الكتاب السوري يشق طريقه للعالمية وبجدارة، ويبني بمكتبات جديدة تنشأ في اسطنبول وبرلين وباريس وكل مدن العالم خريطة جديدة له، ولإسهامه في الحضارة العالمية، بوصفه نتاج فكر، وليس فقط ضحية حرب أو منفيا!

*مقالات الرأي النتشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "رونة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق