مقالات الرأي | حمل شبان ثائرون في بداية الثورة ضد النظام وروداً وماءً لعناصر الجيش السوري وقد أُرسلوا لمحاصرتهم. تكرر الأمر في طول البلاد وعرضها، منهم من شرب الماء ومنهم من أخذ الورد لحبيبته. ولكن ذلك لم يرق للمسئولين عنهم، فجاءت الأوامر أولاً برفض كل تلاقي بين العناصر وأهاليهم المتظاهرون، أما الأمر الثاني كان إطلاق النار. هنا أصيب الضباط الصغار والجنود بالدوار، كيف سنقتل أهالينا؟! وبدأت بعدها الانشقاقات والالتحاق بالمتظاهرين أنفسهم لحمايتهم، ولكن هناك من آثر الطاعة والعبودية، وانغمس بالقتل، في هذه النقطة سقط الجيش كحامي للوطن، وتحول إلى قاتل للشعب ومفتتٍ بالوطن.
الجيش الذي كان عقائدياً وأنّه معداً لمحاربة إسرائيل حارب كل المدن والبلدات والقرى الثائرة، ولكنه اندحر من أكثريتها، ولم تتوقف مسيرة اندحاره إلا بدخول ميليشيات طائفية وحزب الله وإيران وأخيراً روسيا بعتادها الجوي. منذ 2012 بدأت المدن السورية تعاني جحيماً مستمراً، وبدأت الفصائل تتلاشى وتتعاظم بدلاً منها الفصائل السلفية والجهادية، ودخل داعش باسم الدين ثم فرم الفصائل الإسلامية أولاً والفصائل الوطنية كذلك؛ النظام ولكي يستطع مواجهة الثورة ترك مناطق بأكلمها لقوى سياسية موالية له، الفصائل التي والته هي حزب البايادي. ولكن معركته تعثرت ولم يستطع الحسم، وكذلك الفصائل تعثرت بما فيها الفصائل السلفية. مع مرور الزمن صار لا بد من دعم خارجي، الدعم هذا كان مشروطاً بالتحول نحو السلفية، وهناك دول ومنظمات دعمت الجهادية، ودول كتركيا استفادت من توسع داعش لإخافة الأكراد. النظام بذلك وحلفه لم يعد بمقدوره إعادة السيطرة، وبرز حزب صالح مسلم كحزبٍ ساع لإقامة إقليم خاص به توج بفدرالية وبتوسعٍ كبير نحو مناطق عربية خالصة، وضد العرب بالعموم، وأقام صلات واسعة مع دول نافذة في الصراع السوري، فحمى نفسه من غدر النظام وضد المنظمات الجهادية وغير الجهادية عبر دعم أمريكي وروسي، ومؤخراً أصبح لديه تنسيق واسع مع الفرنسيين؛ هنا تشكل واقع جديد لدينا، فروسيا بنت لنفسها قاعدة حميمم، وطوّرت قاعدة طرطوس وهناك كلام عن قواعد أخرى، أمريكا أشادت قاعدة عسكرية لها في أبار النفط في الرميلان وأخرى بعين العرب، ومؤخراً هناك كلام عن قاعدة فرنسية، الإيرانيون وحزب الله متواجدين في كل جبهات الحرب ضد الشعب، ليتشكل لدينا واقع جديد، اسمه النفوذ الإقليمي والدولي الواسع في سوريا؛ نضيف لكل ما تقدم أن السعودية داعمة لجيش الإسلام وفصائل أخرى، وتركيا لفصائل كثيرة ولا سيما أحرار الشام وقطر للنصرة، وبالتالي أصبح كل الوضع السوري، نظاماً ومعارضة خارج الأيدي السورية.
تقول دراسة نشرت على جزأين "خطة سلام من أجل سوريا"، عن مؤسسة راند الأمريكية، وهي قريبة من مراكز صنع القرار السياسي والعسكري: إن سوريا أصبحت مقسمة، وأن الحل الممكن، هو الاعتراف بالفدرالية بالمعنى العرقي والطائفي، وبتدخل دولي وإقليمي متعدد ويحمي كافة المناطق وأن تظل جيوش تلك المناطق فيها ولا تستبعد تغيرات ديمغرافية! وبالتالي الحل يكون بين أمراء الحرب هؤلاء، ويحاربون بالوقت ذاته داعش؛ الحل الأمريكي هذا يقول إن سوريا انتهت كدولة موحدة وبجيش واحد، بل وحتى كفدرالية لها مركز في العاصمة انتهت كذلك؛ الوصفة الأمريكية هذه، وصحيح أنها ليست ممثلة للبيت الأبيض ولكن كل ما فعله هذا البيت وعبر خمس سنوات، فهو دفع الوضع السوري ليصل إلى ما ذكرنا؛ النظام وحلفه عاجزان عن تغيير المشهد، فخطتهم للحل تكمن في استعادة كل سوريا بالدمار والقتل، وليس من أمر آخر، ولذلك يُفشِلُ هذا الحلف لقاءات جنيف وأي حل سياسي ممكن ومنذ 2011، سواء أكان حلاً داخلياً أو إقليمياً.
الجيش السوري أصبح مجرد ميلشيا وكذلك بقية الجيوش؛ جميعها مليشيات، وسوريا تتكاثر فيها القواعد العسكرية الامبريالية، وكون النظام والدول الامبريالية تنطلق من اعتبار سوريا مغناطيس للقوى الجهادية، فإنها مستمرة باللعب بورقة الجهاديين أو دعشنة آخرين سوريين وغير سوريين.
بغياب الحل السياسي كما تؤشر حدة المعارك وتعددها، وخفوت الكلام عن أي جدية بخصوص جنيف، فإن الحل الأمريكي يبدو هو المعمول به، أي حل سياسي بقيادة أمراء الحرب القوميين والطائفيين وبقاء القواعد العسكرية، وبضمانات من الدول الإقليمية وعبر جيوشها؛ الاجتماع الأخير لوزراء دفاع روسيا وإيران والنظام في طهران لن يغير من المعادلة على الإطلاق، وهو بالأصل من دفع سوريا لتصل إلى ما هي عليه.
الوقائع التي نتحدث عنها أعلاه، يمكن ألا تكون هي النهاية ولكن ذلك يتطلب شروطاً مغايرة لما أوضحنا وهي: أن يتدخل الروس ويفرضوا حلاً على النظام وبدء تشكيل هيئة تنفيذية، وبيدها كامل الصلاحيات، أو أن تتدخل أمريكا وتجبر روسيا وكافة الأطراف على الحل السياسي، وأخيراً وهو الأعقد أن يتشكل تيار سياسي شعبي من كل المدن السورية "المعارضة والموالية"، ربما هنا شروط أخرى لكسر الاحتمالات الممكنة في الفقرات السابقة، ولكن دون ذلك ألف تعقيد وتعقيد وكلها بهدف وحيد اجتثاث روح الثورة السورية والوصول إلى حل سياسي بعيد عن أهدافها المتمثلة في دولة لكل السورية.
إذاً سوريا، وبإصرار منهجي من نظام الممانعة، تنتقل من الجيش العقائدي إلى مركز للقواعد العسكرية الأجنبية.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".