محارق اليزيديين.. حتى لا نكون شركاء في الجريمة

محارق اليزيديين.. حتى لا نكون شركاء في الجريمة
القصص | 13 يونيو 2016

الأنباء تشير إلى قيام داعش بإحراق 19 امرأة إزيدية في ضواحي الموصل، ومع أنه لا يوجد تأكيد لهذا ولكن ما لقيه اليزيديون في السنوات الأخيرة لا يقل بشاعة وبؤساً عن هذا، ونرجو ان تكون الأخبار مبالغة تائهة، وأن تعود اليزيديات المختطفات إلى حياتهن، وأن ينتهي كابوس الإجرام والقتل.

ولكن هل داعش وحدها هي المسؤولة عن التوحش ضد اليزيديين؟

في الواقع فإنني أعتبر أن سلوك داعش هو التطبيق العملي لما علمناه وتعلمناه ضد هذه الطائفة من أبناء سوريا والعراق، وإزاء ذلك فإنه لا يمكن اعتبارنا أبرياء حيال ما يجري من مظالم.

قراءتي لليزيديين أنهم كانوا رجال الحكم الأموي الأشاوس وقد شكل شبابهم قوة ضاربة في يمين الخلفاء الأمويين، وأصبحوا رمزا للولاة القساة في عهد بني أمية ويمينهم الضاربة.

وحين سقطت الخلافة الأموية كان من الطبيعي أن يواجه هؤلاء حملات تشريد وإبادة واستئصال ولكنهم هربوا إلى الجبال واعتصموا في سنجار وما حولها.

وسجلت خلال التاريخ عشرات الحملات المتعاقبة لاستئصالهم وإبادتهم ولكنهم كانوا يصمدون في جبالهم وكان كل منعطف جديد يحملهم على موقف مختلف في الفقه والاعتقاد يبتعدون به عن محيطهم من السنة والشيعة جميعاً.

وفي القرن السادس وصل إليهم حفيد مروان بن الحكم الأموي العارف بالله الصوفي الشهير عدي بن مسافر قادماً من بعلبك، وهو رجل عالم عابد عارف من أجل فقهاء أهل السنة والجماعة، وقد أحب اليزيديين واحترمهم وعاش معهم في جبل لالش واتخذوه حناناً وحضناً دافئاً، وجعلوا قبره مزاراً ومحجاً.

ولكن اليزيديين ظلوا خلال التاريخ ضحية تشويه كبير ساهمنا جميعاً فيه من حيث نريد أو لا نريد.

إن وصف اليزيديين بأنهم عباد الشيطان هو عبارة مألوفة لدى كل سوري وعراقي، وحين نطلقها لا توخزنا ضمائرنا في شيء، وربما لا تعني هذه الوصمة شيئاً لو صدرت من لا ديني ملحد، فالأديان عند هؤلاء ميثولوجيا واهمة لا قرار لها في الواقع ولا ظلال في التشريع، ولكن حين يتولى الوعاظ والخطباء ترويج فكرة كهذه فإنه بدون أي شك يغدو محرضاً على قتلهم، حيث يعبدون عدو الله الأول وبالتالي فهم أعداء حقيقيون للأمة، ويمكن تلقائياً أن تصفهم بكل خصال الشر والرذيلة والتوحش.

إنهم يعبدون الشيطان! هكذا تعودنا أن نقول في المساجد والمحافل وهكذا تعودنا أن ندونهم في الكتب والمقالات وهي عبارات كافية تماماً لإقناع الانتحاري بتفكيك حزامه الناسف في مجامعهم دون أدنى وخزة ضمير، قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخرهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين! وهكذا دفع اليزيديون ثمناً هائلاً لهذا اللون من الاتهام، وبالتالي فإنهم كانوا يزدادون انعزالاً وانكفاء وريبة من محيطهم وبالتالي يزدادون ابتعاداً عن الإسلام.

في حوار مع صديق خبير بالشؤون العراقية، ضابط بعثي مخضرم، كنت أهاجم بعنف سبي اليزيديين وقتلهم حين قال لي باستغراب: كيف تنكر حكماً إلهياً ثابتاً، وعباد الشيطان هم بكل تأكيد سبي حلال ورق مباح للمسلمين، جزاء وفاقاً بما يعبدون.

لم يدرس صديقي في أي مدرسة دينية ولم يكن خطيباً ولا واعظاً في أي سبيل ولكنه ينقل عن الواعظين، ويمارس ما نمارسه في عقلنا الجمعي في الحكم على جزء عزيز من شعبنا وأهلنا بأنهم يعبدون الشيطان عدو الله وأنهم ببساطة مهدورون في الدم والمال والأعراض.

لم يحصل لأحد من هؤلاء الوعاظ الذين أفتوا باستحلال دم اليزيدية ونسائهم أن رحل إلى لالش، أو وقف عند ضريح الإمام الجليل عدي بن مسافر (ويسمونه الشيخ أدي) ولم يحصل أن استمعنا بخشوع واحترام إلى تلك المناجاة الرقيقة التي يقدمها اليزيديون في مناجاتهم لله كل بزوغ فجر، وهي مناجاة طافحة بالمحبة لله والخير للإنسانية: 

دعاء الفجر..

تراءى النور في الغسق، ركب فرس العبادة، وبان نور الفجر، 

المفاتيح بيد العشاق والمعشوقين، نحنُ نطلب منهم مرادنا، وهم يطلبون بدورهم مرادهم من الله

يا رجال الصباح، صباح المعشوقين، أنت صاحب التاج من الأول إلى الأخر، أعطِ الخير وأقلب عنا الشر.

حقاً الحمد لله رب العالمين.

أمين أمين تبارك الدين الله أحسن الخالقين

بهمة شمس الدين فخر الدين ناصر الدين، السلطان شيخ أدي متوج من الأول إلى الأخر

سبحانك أيها الخالق أشرق النورَ من النور،

حقاً، الحمد لله يا رب العالمين.

حين لا نملك الشجاعة أن نقرأ هذه الطائفة المنكوبة باستمرار خلال  التاريخ قراءة إنسانية مجردة، ونختار فتاوى التكفير الجاهزة فنحن نوقد ثقافة الكراهية التي ستتفجر بكل تأكيد حقداً وانتقاماً وثاراً، وحين نكتب في مراثيهم ومآتمهم بعد ذلك فإننا نمارس أبشع النفاق، ونقتل القتيل ونمشي في جنازته.

إنني أتفهم أن يقال في اليزيدية إنهم غير مسلمين وإنهم دين مختلف في كل تفاصيله، وأن لهم رأيا حسناً في إبليس (عزازيل) وأنهم معجبون بتوحيده لله حين رفض أن يسجد لغيره، وهم بذلك يخالفون سائر الأديان في نقمتها على إبليس، ولكن ذلك لا يجعل منهم عبيداً للشيطان وأعداء للرحمن، وكان من الممكن تماماً أن نسن بهم سنة أهل الكتاب التي سنها الصحابة مع المجوس وهم أبعد اعتقاداً وسلوكاً وتصورات.

ما أكتبه هنا ليس إلا إشارات سريعة وتنبيهات متعجلة للتعرف إلى الجانب الإنساني في تفكيرهم ومواقفهم دون الدخول في تفاصيل الاعتقاد.

أكتب ذلك وأنا لا أجهل ما بدأ بعض شبابهم يكتبونه ضد الإسلام والمسلمين، فهذا حصاد القهر والظلم، ولا يمكن أن ننتظر منهم الود والتوازن بعد النكبة الفظيعة التي قام قيها القساة التكفيريون بقتل رجالهم وسبي نسائهم واستباحة أموالهم وأعراضهم.

إنهم لا يدعون الإسلام، ولا يزعمونه لأنفسهم، ولم أكتب هذا لامنحهم شهادة الإسلام والتوحيد، فهم بكل تأكيد غير معنيين بهذا، ولكن اعتراضي على تصنيفهم بأنهم قوم أشرار يتواصلون مع إبليس لقتال الله وقتال انبيائه وهذا ما أعتقد أنه وهم من أكبر الأوهام.

متى سنعلم أولادنا أن يقولوا كما قال علي كرم الله وجهه: الناس إثنان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق