بين الجمهورية العربية السورية على أرض الواقع، وبين مواطنيها المنتشرين في أصقاع الدنيا هنالك افتراقات كثيرة ومحاولة للتجمع وإعلاء اسمها من جديد وإن عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
البلاد التي كان اسمها حتى العام 2011 سوريا أصبحت اليوم ممزقة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، هي ممزقة أيضا بين سنتها وعلوييها، وممزقة مرة ثالثة بين أكرادها وعربها، رغم أن كل هؤلاء في لحظات الحقيقة يقتلهم الحنين لها ويعزون الفرقة بينهم للمؤامرة العالمية عليهم التي ذبحتهم وشردتهم وحولت بلادهم إلى ما هي عليه.
وبين جنوب افريقيا والقطب الشمالي، وبين الأميركيتين مرورا بأوروبا وآسيا وكل بلاد العالم يزرع السوريون الياسمين على شبابيك صفحاتهم على الفيس بوك ويغردون باسم سوريا على تويتر كل دقيقة ويحلمون ببلاد لم يعد اسمها سوريا إلا عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
يعيشون ليالي رمضان بنكهة مدينتهم في أي شبر كانوا من بقاع الأرض، يطربهم صوت آذان مساجدها من أي طائفة ولدوا، لطعم أطباقها مذاق الفردوس المفقود، ورغم كل شيء ما زال اسمها في ضمائرهم: سوريا!
يتجمعون على الفيس بوك في حملات عالمية تضم شتاتهم ويرفعون فيها صوتهم الذي خنقه الألم ويصرخون في وجه المجزرة المستمرة منذ خمس سنوات، يطالبون بالمعتقلين وكل منهم يستشعر نفسه في زنزانة بائسة، يجمعون ما يستطيعون لمساعدة أهلهم في مخيمات اللجوء، يستشعرون مرارة الحياة وقسوتها رغم أنهم يعيشون في بيوت آمنة مشمسة في باريس أو روما أو واشنطن، هذا الألم الممتد من مشرق الأرض إلى مغربها اسمه سوريا!
وجع يرفض أن يصمت، ووطن يعيش في ضمائر ناسه أينما رحلوا.
لكن الإشكالية الحقيقية تتمثل في أن ممارسة المواطنة عبر الفيس بوك أو أي فضاء افتراضي ليست بديلا عن ممارسة المواطنة في فضاء حقيقي له حدود وله ورود وأشواك، ويرى بعض السوريين أنه رغم فضل الفضاء الافتراضي إلا أنه ضاءل من فرص اللقاء والاجتماع بين مواطنيهم، وكرس عزلتهم ولقاءاتهم الافتراضية لتكون هي القاعدة وليكون اللقاء الحقيقي الفيزيائي هو الاستثناء، في عالم أراد لهم الشتات ولبلادهم التمزق.
فيما يرى آخرون أن لهذا الفضاء الافتراضي الفضل عليهم في هذا اللقاء وهذا التواصل الذي عجز العالم الحقيقي عن تأمينه، ويرون أن اسم بلادهم ووحدتها واتحاد مواطنيها وتضامنهم بات محققا فقط في هذا الفضاء الافتراضي.
ويبدو أن تلك نقطة قوة، ونقطة ضعف في الآن ذاته، فربما تضاءل الوطن ليصبح حلما نرسم حدوده كما نتمنى في فضاء افتراضي، وربما استطعنا إعادة هذا الحلم إلى أرض الواقع الحقيقي بسواعدنا، وذلك كله مرتبط بنا وبإرادتنا.
فإذا كان السوري مهما كان انتماؤه الطائفي أو العرقي يحب أن يعرف نفسه بسوريته فهذا دليل على تشكل هوية وطنية ترفض الدخول في زواريب الشتات والافتراق والتقسيم وترفض الاعتراف بحدود وكيانات سياسية تم فرضها بأيد خارجية وتواطؤ داخلي شئنا الاعتراف بذلك أم أبينا.
وأكاد أجزم أن هذه الهوية الوطنية السورية قادرة على الحياة وقادرة على استخدام كل الفضاءات بعد أن صمدت لخمس سنوات في وجه أسوأ ظروف معيشية واجتماعية وسياسية.
وابتداء من صفحات الفيس بوك يستطيع السوريون أن يعلنوا وطنهم من جديد موحدا ويرفضوا كل تقسيم أو تفتيت له ومن هنا يستطيعون السير نحو جمهوريتهم، من هذا الشتات الذي يرفضونه!
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتهابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".