فوضى من نوع آخر تعم على المناهج التعليمية في سوريا

فوضى من نوع آخر تعم على المناهج التعليمية في سوريا
تحقيقات | 10 يونيو 2016

لا تزال رحى الحرب السورية تدور بالرصاص والقصف. ومثلها مثل كل الحروب، دارت رحاها على أشياء أخرى كثيرة، من أهمها عقول جيل كامل لم يتمكن من الحصول على التعليم اللازم. 

عملت جميع المجموعات التي بسطت سيطرتها على بعض المناطق في سوريا على تغيير المناهج التعليمية في مناطق سيطرتها، وفي بعض الأحيان حاول بعضهم التوصل إلى إتفاقيات معينة حول المنهج الذي سيتبعونه، ولكنهم في نتيجة الأمر قد أفسدوا النظام التعليمي. على الرغم من أن فهرسة هذه المناهج الكثيرة شبه مستحيلة إلا أن محافظة إدلب تقدم حالة تستحق النظر فيها. 

عندما أحكمت المعارضة سيطرتها على إدلب في البداية، ولم يعد لوزارة التربية والتعليم التابعة للنظام أي دور في سير العملية التعليمية في المنطقة، قام عدد من الأساتذة والأكاديميين وشخصيات سياسية معارضة، بتشكيل اللجنة الوطنية للتعليم لمتابعة عمل المدارس في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في البلاد. 

وبحسب السيد محمد صالح أحمدو، مدير الإمتحانات في وزارة التربية والتعليم التابعة للإئتلاف الوطني (SNC)، فإن اللجنة تمكنت من سد الفراغ الحاصل بعد غياب متابعة وزارة التعليم عن مدينة إدلب. حيث عينت اللجنة أساتذة من أبناء المنطقة، وعملت على تجهيز منهج تعليمي بديل لا يذكر فيه نظام الأسد ولا حزب البعث، وفي بعض المناطق تمت إضافة مواضيع جديدة مثل تعليم إجراءات الإسعافات الأولية. 

ولكن مع صعود الفصائل الإسلامية إلى السلطة في إدلب، بدؤوا بالتدخل بقطاع التعليم. 

عندما سيطر جيش الفتح -الإئتلاف البارز الذي تشكل من مجموعة من الفصائل الإسلامية المتشددة من بينها جبهة النصرة- على مدينة إدلب في شهر آذار/مارس 2015، طالب بسيطرة كاملة على النظام التعليمي في كامل مدينة إدلب، وأريحا وجسر الشغور. وأسس جيش الفتح مديرية تربية، ولكن لم تكن لديه المصادر المالية الكافية لتمويل نظام تعليمي يشمل كل المنطقة. 

"لكي تتمكن من السيطرة على التعليم، تحتاج الكثير من المال"، قال السيد أحمدو. 

بما أن جيش الفتح لم يتمكن من دفع رواتب جميع الأساتذة في المناطق التي يسيطر عليها، ترك إدارة المدارس في ريف إدلب للإئتلاف الوطني. ووقع على إتفاقية مع النظام تنص على إعتماد جيش الفتح للمنهج الحكومي النظامي ويلتزم النظام بالمقابل بدفع رواتب الأساتذة في مديرية التربية في مدينة حماة الواقعة تحت سيطرته.

يصعب على المعلمين الذين يعملون في مدارس إدلب الذهاب إلى حماة كل شهر لتحصيل رواتبهم، بسبب غلاء تكلفة التنقل بالإضافة إلى خطورة الطريق نظراً إلى أنهم يعبرون من منطقة تسيطر عليها المعارضة إلى منطقة يسيطر عليها النظام. إنهم يتعرضون للمضايقات وأحياناً للإعتقال على أحد الحواجز المنتشرة على الطريق بين إدلب وحماة.  

أحد الأساتذة، طلب عدم ذكر اسمه، قال: "بغض النظر عن الخطورة. يبقى أفضل من أن أرى أولادي يموتون من الجوع أمام عيني".

ترك العديد من الأساتذة في إدلب عملهم بسبب خوفهم من الإعتقال أو السحب الإجباري إلى الخدمة الإحتياطية من على أحد الحواجز. كما أن الضباط يبتزون الأساتذة على الحواجز ويطلبون رشاوي تصل أحياناً حتى $115 أي ما يعادل نصف راتب أستاذ، ومن الجدير بالذكر أن الأساتذة يعبرون على حوالي 50 حاجزاً أو أكثر قليلاً ذهاباً وإياباً بين محافظتي إدلب وحماة. 

التنسيق بين المناهج المختلفة لم يتم على ما يرام أيضاً. أول حركة قام بها جيش الفتح كانت إلغاء مواد الفلسفة والتاريخ من المدارس لأنها بحسب وصفه مليئة بالكفر. لاحقاً، أجبر التحالف الإسلامي على إعادة إدراج مادتي التاريخ والفلسفة لأن وزارة التربية والتعلية ضمتهما في الإمتحانات. 

أما في ريف إدلب، في المناطق التي لم يشملها إتفاق جيش الفتح مع النظام السوري، منع جيش الفتح مادة الموسيقى والفنون واستبدلها بمواد تركز على التعليم الإسلامي والتوحيد. وبدأ جيش الفتح بفرض القيود على المنطقة، فقام بتعيين مراقبين على المدارس مهمتهم وعظ الطلاب بالقيم الإسلامية وفرض اللباس الإسلامي في المدارس. 

بعض الأساتذة من الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم قالوا إن جيش الفتح عيّن أساتذة غير مؤهلين لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، بعد أن قام بطرد أساتذة حاملي شهادات في الفقه الإسلامي وإتهامهم بأنهم متصوفون، كما اتهمهم بتدريس المنهاج "الكافر" الذي وضعه الإئتلاف الوطني. 

هذه الممارسات أضعفت النظام التعليمي في محافظة إدلب على نحو خطير. ترك العديد من الأساتذة عملهم، وبقيت بعض المدارس تعمل بفضل أساتذة متطوعين وطلاب جامعيين. بحسب محمد صالح أحمدو، مدير الإمتحانات في وزارة التربية والتعليم التابعة للإئتلاف الوطني، هناك نقص حوالي 11,000 أستاذ في إدلب. قال أحمدو أن هذا النقص الحاد أصبح مملوء بالبرامج الإسلامية التي تتوجه إلى الطلاب بالدعوات إلى الجهاد. 

هذه التغييرات والفوضى العارمة قد قلبت حياة الطلاب رأساً على عقب. عبد الرحمن، 16 عاماً، من ريف إدلب، اضطر إلى ترك المدرسة وهو في الصف التاسع بسبب الحرب. ولكن عندما فتح مركز إسلامي خاص قائم على تبرعات مركزاً في بلدته سارع بالإنضمام إليه، هذا المركز تابع لأكثر من 14 مركز آخر. قال: "أنا شخصياً كنت متحمس جداً للإنضمام، لأنني أريد تعلم المزيد عن ديني. أتمنى أن أعلّم يوماً ما أتعلمه الآن". 

ثم تابع: "الطلاب الذين يتخرجون من هذا المركز ليسوا متطرفين، لأننا نتبع تعليمات علماء دين معروفين ومحترمين، كما أن المركز لا يتبع إلى أي جماعة مسلحة وليس له أي أجندة. الهدف هو معرفة تعاليم الدين الإسلامي والتأهل للإفتاء". 

قال عبد الرحمن أن العديد من الطلاب في المركز قد أصبحوا مقاتلين، وأنهم يوزعون أيامهم بين الدراسة والقتال.

تتألف المجموعة الإعلامية السورية المستقلة من خمس مؤسسات إعلامية مستقلة، تعمل معاً من أجل تسليط الضوء على قصص لا حصر لها من البلد الذي مزقته الحرب: "أريج" إعلاميون من أجل صحافة إستقصائية عربية، إذاعة روزنة، سيريا ديبلي، سيريا انتولد، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا. والمشروع مدعوم من دعم الإعلام الدولي.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق