قصة انتساب وانشقاق أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية

قصة انتساب وانشقاق أحد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية
تحقيقات | 07 يونيو 2016

أورفا، تركيا: أبو خديجة، 39 عاماً. كان يعمل بائعاً في محل لبيع الملابس في دمشق. لديه أربعة أطفال، ولدين وبنتين، وزوجة يحبها. متوسط القامة ولديه ذقن خفيفة. باختصار، يبدو أبو خديجة كأي شخص عادي. 

ولكنه في الحقيقة استثنائي جداً، حيث أنه واحد من مقاتلي تنظيم الدولة القلائل الذين تمكنوا من الإنشقاق عن التنظيم على قيد الحياة. من المعروف عن هذا التنظيم الراديكالي المتشدد أنه يقوم بإعدام المقاتلين الذين يحاولون الإنشقاق لجعلهم عبرة للباقين. 

مثل كثير من السوريين، تحمس أبو خديجة عندما رأى المظاهرات التي اندلعت في البلاد بعد بداية الربيع العربي، فقرر العودة إلى مدينته دير الزور للمشاركة بالمظاهرات التي طالبت بإسقاط حكم الأسد الإستبدادي. 

عندما أطبقت قوى الأمن السوري قبضتها الأمنية على المتظاهرين، أصبح أبو خديجة على يقين بأن المظاهرات السلمية غير قادرة على مواجهة النظام. انضم أبو خديجة مع إثنان من أخوته، أبو عبدالله وأبو عبد الملك، إلى الجيش السوري الحر عندما تشكل في عام 2011. "عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص على المتظاهرين، لم يكن لدينا خيار إلا أن ندافع عن أنفسنا. في تلك المرحلة، تحوّل العمل الثوري من الهتافات إلى الدفاع عن النفس. خيارنا الوحيد كان أن نقاتل. من الممكن أن يكون هذا الرد خاطئ، ولكنه كان الخيار الوحيد لكي نبقى على قيد الحياة ولكي تستمر الثورة". 

قتل أخاه أبو عبد الملك في إحدى المعارك مع النظام، فواصل أبو خديجة القتال بهدف الإنتقام لدم أخيه. قاتل أبو خديجة مع الجيش السوري الحر حتى سيطر تنظيم الدولة على معظم مدينة دير الزور في صيف 2013، لم يكن أمام المقاتلين في الدير حينها سوى خيارين: الإنضمام إلى التنظيم أو الموت. أعلن أبو خديجة وأخاه عبد الله الولاء لتنظيم الدولة وحملوا السلاح في صفوفه. "كل ما أردناه هو أن يسقط النظام"، قال أبو خديجة، ثم تابع: "عندما سيطر التنظيم على المنطقة، قررنا أنا وأخي أن نبايع التنظيم ونقاتل معه. لم نكن نريد مغادرة المنطقة لأننا نريد البقاء والثأر لدم أخينا. وكنا قد سمعنا أن مقاتلي التنظيم شديدي البأس، وكنا نعتقد أنهم قادرين على هزيمة النظام السوري". 

خضع كل من أبو خديجة وأخيه عبدالله لدورة "توبة". كان عليهما أن يعلنا عدم إعترافهما بجميع الفصائل المقاتلة الأخرى، وأن يعترفا بالردة عن طريق الصواب بالقتال مع الجيش الحر، وأن يعتنقا الإسلام من جديد. بعد أن قبل التنظيم توبتهما، أخضعهما إلى دورة "إعادة تأهيل" تتمحور حول "مبادئ الإسلام" والشريعة وحول ضرورة القتال والجهاد. هؤلاء الذين أنهوا دورة التوبة ولم يخضعوا لدورة إعادة التأهيل يسميهم التنظيم "العامة". 

قال أبو خديجة: "قابلت أبي ذَرْ العراقي الذي كان يعد الأمير العام على ديرالزور، وقد أعلنت بيعتي أنا وأخي، ثم حضرنا دورة استتابة لمدة 21 يوماً في معسكر مغلق بمدينة الميادين، تلتها دورة شرعية لمدة شهر في مدينة الميادين أيضاً". 

يخضع المنتسبون إلى الدورة الشرعية إلى منهاج مكثف في علوم الفقه ودراسة القرآن وبعض الكتب لعلماء مسلمين كإبن تيمية، أحد مفكري القرن الرابع عشر، الذي أصدر فتوى أعلن فيها الجهاد أو الحرب المقدسة على المغول الذين إدعوا اعتناقهم الإسلام ولكنهم لم يطبقوا تعاليم الشريعة الإسلامية. 

بعد إتمامهم الدورة الشرعية كان لديهما خياران، إما العودة إلى حياتهم السابقة فيصبحوا جزءاً من العامة، أو أن يخضعوا إلى دورات قتالية. قال أبو خديجة: "يركز التنظيم في الدورات العسكرية على تجهيز المقاتلين من أجل القتال (الجهاد) في أي بقعة من بقاع العالم. كما أنهم يتعلمون مهارات القتال على السلاح وتدريبات على اللياقة البدنية، ويختص بعضهم بأنواع أسلحة معينة".

اختار الأخوان القتال لاعتقادهما بأنهما قادران على المساهمة في الإطاحة بنظام الأسد. خضعا إلى دورة تدريب عسكري لمدة 60 يوم في مخيم قريب من مدينة الشدادي الواقعة على الطريق الواصل بين ديرالزور والحسكة باتجاه الشمال. وأصبح الأخوان قادة لمجموعات بعد أن تدربوا بشكل مكثف على الكلاشينكوف وأسلحة خفيفة أخرى. 

قال أبو خديجة أن حياة عائلته تحسنت بعد انضمامه للتنظيم. "من يبايع التنظيم يحصل على تخفيضات على أسعار الطعام والمواد الأخرى"، قالت زوجته، أم خديجة، التي أخبرتنا أنهم يدفعون 60 ليرة سورية [US$0.25] مقابل رغيف الخبز واحد، بينما يدفع الآخرون 105 ليرات [US$0.48]. "نحصل أيضاً على كهرباء بالمجان، بينما يضطر العامة إلى دفع 8,000 ليرة شهرياً للحصول على خدمة المولدات الكهربائية". 

عندما فرض التنظيم سطوته على دير الزور، بدأ بتنفيذ أحكام الإعدام على أشخاص إتهمهم بالردة أو التعامل مع الجيش الحر. وعمد التنظيم أيضاً على إعدام القادة العسكريين الذين من الممكن أن يشكلوا عليه خطراً في المستقبل، على الرغم من أن معظمهم كان قد بايع التنظيم. 

بعد فترة قصيرة، إتهم التنظيم أبو عبدالله أخو أبو خديجة بأنه لا يزال يتعامل مع الجيش الحر وأعدموه. قال أبو خديجة بأن التنظيم اعتبر أخاه تهديداً لقيادتهم، لأنه كان مقاتلاً شرساً. قال أبو خديجة: "عندما سمعت على اللاسلكي أن أخي قد قتل هرعت إلى المشفى الميداني. في البداية حاول ممرضو المشفى منعي من رؤيته، ولكني لم أستمع لهم. ركضت لكي أرى جثته.،عرفت حينها أن التنظيم هو الذي قتله، أطلقوا على رأسه رصاصة من الخلف، بنفس الطريقة التي مات فيها العديد من مقاتلي الجيش الحر سابقاً، قتلوا أخي لأنه كان شجاعاً وقوياً. بعد أن قتلوه لم أعد أستطيع التحمل أكثر". بعد هذه الحادثة، بدأ أبو خديجة بالقتال من أجل نفسه، بعد أن أصبح قلقاً من أن يواجه مصير أخيه أبوعبدالله. 

أخبر أبو خديجة قيادات التنظيم أنه غير قادر على العودة إلى موقعه في المطار العسكري بسبب حزنه على أخيه، وأمضى بعض الوقت في المدن المجاورة مثل البوكمال والميادين، حيث شهد بأم عينه الإعدامات اليومية وقطع الأيدي وممارسات أخرى يقوم بها التنظيم. 

قرر أبو خديجة في قرارة نفسه أن يغادر في أقرب وقت ممكن. قال أبو خديجة لسيريا ديبلي: "رأيت ما يحدث في مدن كالميادين والبوكمال فالظلم كان بادياً. صادف في يوم تجوالي أن نفّذ التنظيم حُكم القصاص بقطع الرأس على شاب من عائلة معروفة في الميادين، كانت على خلاف مع عائلة أخرى بايع معظم أبناءها التنظيم. شهدت مجموعة من العائلة التي بايعت أن هذا الشاب قاتل التنظيم قبل دخوله إلى ديرالزور، مع أن أهله وأصحابه أكدوا أنه لم يحمل السلاح يوماً".

بعد مضي خمسة عشر يوماً على مقتل أخيه أبو عبدالله، غادر أبو خديجة مع زوجته وأولاده. استقلت العائلة سيارة من الشمال السوري، ومن هناك توجهوا إلى مدينة الباب في حلب. قام أبو خديجة بحلاقة ذقنه بعد أن عبروا آخر حاجز تابع للتنظيم. شعوره بالذنب يدمره. يعتقد أبو خديجة أن قراره بالبقاء في دير الزور ومبايعة التنظيم للإنتقام لأخيه الأكبر كان ثمنه موت أخيه أبو عبدالله. قال: "لا زلت لا أعرف حقيقةً لماذا قتلوه، ولكنني أعرف أنهم قتلوه، وأنا واثق من أنهم كانوا سيقتلونني لو أني بقيت. هؤلاء الناس بعيدين كل البعد عن الإسلام". 

تتألف المجموعة الإعلامية السورية المستقلة من خمس مؤسسات إعلامية مستقلة، تعمل معاً من أجل تسليط الضوء على قصص لا حصر لها من البلد الذي مزقته الحرب: "أريج" إعلاميون من أجل صحافة إستقصائية عربية، إذاعة روزنة، سيريا ديبلي، سيريا انتولد، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا. والمشروع مدعوم من دعم الإعلام الدولي.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق