ساءت الحالة الإنسانية في سوريا بشكل كبير في 2015، ودخل الصراع عامه السادس، بمشاركة 4 من الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، في الأعمال العدائية في سوريا، بحسب تقرير جديد، يرصد أحوال النازحين داخلياً بسبب الصراعات القائمة في بلدانهم.
وبحسب التقرير الذي نشره مركز "رصد النزوح الداخلي"، التابع للمجلس النرويجي للاجئين -وهو منظمة إنسانية مستقلة-، فقد تسبب الصراع الدائر في سوريا، بأسوأ أزمة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية، حيث أن القتال المستمر والعنف قد أجبر 10.9 مليون نسمة أو أكثر من نصف عدد سكان سوريا قبل 2011، على الهرب وهجرة منازلهم، أي أن هناك ما يقارب 50 عائلة تتشرد كل ساعة منذ بداية 2011، منهم 6.6 مليون نازح داخل سوريا.
اهتمام باللاجئين وإهمال النازحين!
كان الجزء الأكبر من الاهتمام الدولي يركز على الملايين من الناس الذين خاطروا بحياتهم وحياة أولادهم في سبيل التماس الأمان في أوروبا أو أي مكان آخر في العالم، مع تضاؤل الأمل في نيل القبول، ومع ذلك، فإن الدول المجاورة حدّت بشكل كبير تدفق اللاجئين إليها أو أغلقت حدودها كاملة في وجههم.
ونتيجة لذلك، فإن مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين داخل البلاد، أو موجودين في مخيمات حدودية، مع عدم وجود طريق قانوني للهروب، يعيشون ظروفاً إنسانية سيئة.
وباتت معروفة جيداً، الأسباب الرئيسة لسقوط الضحايا والتشريد في سوريا، ومن ضمنها القصف العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان، المتعمد استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية مثل المدارس والخدمات الإنسانية (المياه-الغذاء-الرعاية الطبية)، وقد زادت هذه الاعمال العدائية في 2015، حيث أن 1.3 مليون شخص على الأقل تشردوا من جديد، ربما للمرة الثانية أو الثالثة.
من هم النازحون داخلياً؟
على الرغم من الوعي الخارجي بالأزمة، إلا أن فهم النتائج قليل نسبياً، فالكثير من الأسئلة تحتاج إلى أجوبة، حول من هم هؤلاء النازحون داخلياً؟ كم عددهم؟ ما هي احتياجاتهم؟.
القيود المفروضة على جهود جمع البيانات، تصنف إلى ثلاث فئات عريضة في سوريا: "القيود الأمنية وصعوبة الوصول، البيئة السياسية، والتحديات المنهجية".
يعيش أكثر من 4.5 مليون شخص في مناطق في سوريا، اعتبرتها الأمم المتحدة مناطق صعب أو يستحيل الوصول إليها في 2015، متضمنة المناطق المحاصرة، وأصبح وصول الدعم الإنساني إليها في 2015 أقل مما كان عليه في 2014. وعدد الناس الذين يعيشون في مناطق محاصرة تضاعف منذ عام 2014، حيث وصل إلى أكثر من 500 ألف في بداية 2016، ممن لا يتلقون أكثر من 1% من المساعدات الإنسانية الغذائية.
لمشاهدة الخريطة بدقة عالية، (اضغط هنا)
التقارير تخضع لتأثير أطراف النزاع
تعرقل عمل مركز "رصد النزوح الداخلي"، بسبب شدة الصراع واضطراب الخطوط الأمامية، ووجود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في المحافظات الشمالية الشرقية (الرقة، دير الزور)، والتي بات الوصول إليها غاية في الصعوبة، ومن المرجح أن نقص جمع المعلومات في مثل هذه الأماكن أدى إلى نقص كبير في الإبلاغ عن الأزمات الإنسانية.
ويعيق أيضاً عملية جمع البيانات، التعقيد غير المتوقع للبيئة السياسية في سوريا، فعلى سبيل المثال، التقديرات التي يقوم بها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، والتي يتم تجميعها فقط على المستوى القطري مرة واحدة في السنة، وبناء على معلومات من الجهات الحكومية ووكالات الأمم المتحدة وجمعيات الهلال الأحمر السورية، أما بالنسبة للمناطق التي تخضع تحت سيطرة المعارضة، فقد كان الاعتماد فيها على المنظمات غير الحكومية والسلطات المحلية العاملة هناك.
وعلى هذا النحو، يتم جمع البيانات وإعداد التقارير التي تخضع لتأثير أطراف النزاع، من ضمنها أطرافاً لعبت دوراً كبيراً في التهجير في المقام الأول.
التحديات المنهجية الراهنة قد تؤدي إلى ضعف في الإبلاغ عن الأزمات الإنسانية في الداخل، وفهم مشوه لاحتياجات الناس الفارين من العنف والنازحين ضمن الأراضي السورية، ويقدر عددهم بـ6.6 مليون نازح داخل سوريا حتى نهاية 2015. وفي الحقيقة، فإن الكثير، إن لم يكن معظم النازحين أجبروا على النزوح أكثر من مرة، هي حقيقة تزيد التحدي المنهجي في إحصاء عدد النازحين.
ومن جهة أخرى، فإن الكثير من النازحين يعيشون في مجتمعات مضيفة، مما يجعلهم غير مرئيين، وهذا يعني أن الناس يتم احصائهم أكثر من مرة بسبب نزوحهم المتكرر.
والجهود لإحصاء النازحين بطريقة فعالة، تتم عرقلتها بسبب كل من: التحديات المنهجية (صعوبة الإحصاء)، وبسبب صعوبة الوصول إلى المناطق الواقعة تحت الحصار.
ومقارنة مع الاهتمام بقضية اللاجئين السوريين في الخارج، فإن النازحين داخل سوريا تم إهمالهم، مع نقص واضح في الدعم والمساعدة، ناهيك عن المتضررين في الداخل.
ولا تزال وتيرة النزوح عالية، والناس عرضة للاستمرار في تغيير أماكنهم بمعدل مماثل، ما لم يتم إنهاء الصراع. وعلى الرغم من الاحتياجات المتزايدة في 2015، ولكن وصول المساعدات الإنسانية بات أصعب من أي وقت مضى.
وتعتبر عملية جمع البيانات جزء حيوي وهام من عملية إنقاذ الأرواح، والمعلومات الموثوقة التي تصل في الوقت المناسب عن العائلات الفارة من العنف، وتساهم في التوصل إلى فهم أفضل لحالتهم، وهذا من شأنه أن يحسن نوعية دعمهم، والجهود الرامية إلى مساعدتهم وحمايتهم.