تحولت البيوت السكنية في دمشق، إلى ما يشبه أفران الخبز في أوقات الظهيرة والمساء، في ظل تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء، والارتفاع الكبير بدرجات الحرارة، التي تخطت حاجز الـ35 درجة مئوية في بعض الأحيان، رغم عدم حلول أشهر الصيف الفعلية.
حر وعصة قبر!
خلال ارتفاع درجات الحرارة، ارتفعت أسعار المراوح الهوائية في العاصمة، لتصل إلى مستويات جنونية، حتى بات ثمنها عئباً ثقيلاً على الأسر الفقيرة والمتوسطة.
اقرأ أيضاً: تعفيش منازل حلب وريفها.. والنظام من تم ساكت
يقول المواطن عبد الهادي: "توقعنا أن ارتفاع ساعات التقنين سيؤدي لانخفاض أسعار المراوح، لكن كما يقول المثل الشعبي"تيتي تيتي"، وهذا يشكل صعوبة الحصول على مروحة، فسعرها يفوق دخلي الشهري الذي لا يتجاوز 29 ألف ليرة، نتيجة عدم توفرها في الأسواق بشكل كافي".
الدولار هو السبب؟
يؤكد أحد الباعة في دمشق، أن سوق الكهربائيات في المرجة تشهد ركوداً باستثناء المراوح بأنواعها، بسبب شدة حرارة الجو واضطرار المواطنين لشراء المراوح، بعد أن بات اقتناء المكيفات ضرباً من المستحيل.
ووفقاً للمستهلكين، وصلت أسعار المراوح إلى ضعف ما كانت عليه في 2015، إذ أن راتب المواطن لشهر كامل لا يكفي تقريباً لشراء مروحة عادية.
ويوضح حسام، تاجر في سوق الكهرباء وسط العاصمة، أن أسعار المراوح المحلية ارتفعت بشكل كبير بعد أن بات وصول المراوح المستوردة أمراً غاية في الصعوبة.
ويستورد حسام خلال تجارته، مراوح من خارج سورية، موضحاً: "تم حجز حاويات البضائع في مرفأ اللاذقية منذ 6 أشهر، أدّى ذلك لقلة المراوح الأجنبية في السوق، وخاصةً المراوح الصينية التي تعمل على البطارية، بعد انتشارها بشكل كبير العام الماضي، ما تسبّب في ارتفاع إضافي على الأسعار نتيجة انخفاض العرض لتلك النوعية".
وكالعادة، يختبئ جميع التجار فور السؤال عن ارتفاع الأسعار وراء صعود سعر الدولار، وتبدأ قائمة الشكاوى بالعد أمام المواطن. حيث رصدت "روزنة" عدداً من عمليات بيع وشراء لمراوح في أسواق دمشق، وكان الحديث الغالب بين التاجر والمشتري، يدور حول مدخلات الإنتاج المستوردة وصعوبة الاستيراد والكلف المرتفعة باستمرار، إضافةً إلى ارتفاع أجور العمال وقلة اليد العاملة وارتفاع أسعار الشحن.
وماذا عن الأرباح؟ يجيب التجار أنها باتت بالحدود الدنيا نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات، فالسعر خارج قدرة المواطن على الشراء، فوضع ربح عالٍ سيزيد من كساد البضائع التي انخفضت مبيعاتها بشكل كبير.
العودة إلى أسواق التعفيش
بعد أن خبا ضوؤها هذا العام، عادت أسواق التعفيش لتفرض نفسها كحل أخير أمام من رفض التوجه إليها، لمعرفته بأنها من المسروقات، لأناس هدمت بيوتهم وشردوا خارجها.
اقرأ أيضاً: هل تبدأ محاسبة مجرمي "التعفيش" من السويداء؟
"أسعار المراوح خارج القدرة الشرائية للمواطن العادي، فسعر المروحة محلية الصنع الأرضية أو السقفية لماركات "ستارمكس" و"رامكو" بحدود الـ25 ألف ليرة، بينما كان سعرها الصيف الماضي ما بين 10 ألاف ليرة"، يقول المواطن عبيدة، أحد سكان العاصمة السورية.
ويضيف الرجل، أن سعر المروحة المربّعة الكبيرة وصل لـ28 ألف ليرة، ومروحة عامودية ماركة "ستاروي"، يقدر سعرها بـ32 ألف ليرة.
محمود جباصيني، من سكان دمشق، دفعه ارتفاع الأسعار للتفكير بشراء المراوح المستعمَلة من "أسواق التعفيش التي تباع إما من خلال بعض محلات تصليح الأدوات الكهربائية، أو من خلال البسطات"، كما يؤكد.
وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي السوق الأبرز للمواد "المُعفّشة"، وحتى أسعار المراوح المستعمَلة تأثّرت مباشرةً بأسعار المراوح الجديدة، حيث ترتفع أسعارها تبعاً لها، ويكون عادةً سعر المروحة المستعمَلة المقبولة، نصف سعر الجديدة ويرتفع حسب عمر المروحة ونظافتها، وذلك بعد الإقبال عليها كحل وحيد أمام ضعفاء الحال.
حلول شعبية ناجعة
تعتبر الحدائق المتنفس الوحيد لعدد كبير من قاطني العاصمة، وخاصة الوافدين والمهجرين من خارجها، حيث يسكن غالبيتهم مع عوائل أخرى، ويتجاوز من يقطنون في منزل واحد، الحد المعقول، مما يدفع بهم للهروب من "خنقة" الشقق، إلى الحدائق، كما عبر غالبية من التقيناهم في عدد من الحدائق العامة.
ولجأ المواطنون السوريون في ظل هذه الظروف الصعبة، إلى إرسال أطفالهم للجلوس في الأزقة الباردة أمام المنازل، وفي مداخل الأبنية، استعداداً للصيف، وقام آخرون بشراء المراوح التي تعمل على البطاريات في محاولة منهم للحصول على تهوية مناسبة تقيهم حر الصيف. خلال انقطاع التيار الكهربائي.
السيدة أماني تسكن في دمشٌ، تؤكد أنها في ظل ارتفاع درجات الحرارة وإقبال الأطفال على شراء الآيس كريم، اضطرت لابتداع طريقة لخداع أطفالها الثلاثة سامي ومعاذ ومصطفى.
تؤكد أماني أن أقل سعر للقطعة الواحدة من الآيس كريم وصل إلى 50 ليرة، فباتت تضع أكياس من المياه مع اضافة القليل من السكر والمنكهات في الثلاجة لتوزعها عليهم ظهيرة اليوم التالي.
وأبو كاسم، سائق ميكر وباص حي تشرين شارع الثورة، أصيب بصدمة في أحد الأيام، بعد ضياع بشكيره "منشفة"، ما اضطره لشراء آخر جديد، يقيه حر"الصيف اللاهب القادم".
السائق وزملاؤه في المهنة على خطوط دمشق، ابتدعوا "مكيفات المناشف" اليدوية، كحل أمثل، بحسب تعبيره، حيث يبللون المناشف بالمياه ويضعونها على رؤوسهم أو رقابهم، في ظل عدم قدرتهم على تجهيز المكيفات في الحافلات، بسبب قدمها، وتكاليفها، حيث تتطلب صرف المزيد من المازوت، الذي يعد حارقاً للجيب وقاضياً على أرباح السائقين.