في خطأ تأجيل الحسم مع النصرة

في خطأ تأجيل الحسم مع النصرة
القصص | 14 مايو 2016

مقالات الرأي | حسمت الدول العظمى القرارات الدولية تجاه داعش والنصرة ومن يصنف كتنظيمات جهادية، مشكلتنا مع هذه القرارات أنها غير ملزمة من قبل مجلس الأمن الدولي أولاً، وثانياً تبعيتها لتعارض المصالح بين تلك الدول، أي غياب إستراتيجية واحدة للتعامل معها، ونضيف تواجد جيوش للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في السماء السورية وقواعد عسكرية كذلك. أقصد أن العناصر السابقة هذه ليست كافية لوحدها لحسم المعركة ضد الجهاديات، وأن ذلك متعلق حصراً ببدء العملية الانتقالية؛ ومن هنا كانت اللقاءات الدولية بدءاً بجنيف الأول وما استتبعت من قرارات ولا سيما (2254)، ووصولاً إلى مؤتمر الأمن في ميونيخ والذي برز منه اتفاق الهدنة! 

قبل ذلك ومع القرار الدولي (2254)، برز تباعد بين الفصيلين الأكبرين على الساحة السورية عن النصرة، وهما جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، ورغم تواجد الأخيرة مع حركة النصرة في جيش الفتح، ووجودها في الغوطة الشرقية المُسيطر عليها من جيش الإسلام، فإن تمثيل هذه الفصائل في مؤتمر المعارضة في الرياض والانخراط في العملية السياسية مثّل تفارقاً هاماً؛ قرأته جيداً النصرة، وأكملت الهجوم على الفرقة 13 بعد أن أجهزت الكثير من الفرق الصغيرة الممولة أمريكياً ولا سيما فرقة جمال معروف، وهذا يأتي بإطار واحد، وهو أن نجاح المفاوضات سيعني أن رقبة الجولاني على الجز فوراً.

يتوفر توافقٌ دوليٌّ على محاربة تنظيم داعش، ويُسهّل ذلك تواجده في سورية والعراق وهمجية كل أعماله، وتبنيه لعمليات إرهابية في أوربا وتركيا ودول الخليج وسواها؛ عدا أن الائتلاف الدولي لمحاربة داعش بقيادة أمريكية شُكل بسببه وكذلك دعمت أمريكا ولاحقاً روسيا قوات سورية الديمقراطية التابعة لحزب ال pyd، بقيادة صالح مسلم للسبب عينه، أما حركة النصرة، ورغم تبنيها فكر القاعدة، وتأكيدها ذلك باستمرار وأنها ليست من الثورة السورية ولا تعترف بها، فإن قادة سياسيون في المعارضة ولا سيما جورج صبره ومعاذ الخطيب وآخرون دافعوا عن تلك الجبهة وما زال الميل العام لكثير من قوى المعارضة اعتبار النصرة من الثورة!، وفي الميدان بقيت التحالفات معها قائمة، ولا سيما بجيش الفتح، وهناك توافقات معها في الغوطة الشرقية وفي أغلب المناطق السورية، وهذا ما يوضح صعوبة الافتراق.

 ورغم ما ذكرناه بخصوص مؤتمر الرياض وأن العملية السياسية تفترض الافتراق وسرعة التحرك من قبل جيش الإسلام وأحرار الشام بالتحديد، فإن النصرة هي من يبادر إلى تعزيز وجودها في كافة الجبهات، وتُجهز على كثير من الفصائل ولا سيما في إدلب، الأمر عينه حاولته من قبل في درعا ومؤخراً استغلت تذمر الفصائل في الغوطة لتشن أكبر عملية مواجهة ضد جيش الإسلام؛ أحلام النصرة كانت قبل سريان الهدنة ومؤتمر الرياض إعلان أمارة إسلامية بقيادتها في إدلب، ويبدو أنها تنتظر فشل الهدنة لتعلن ذلك. 

مارست الفصائل الإسلامية الانتهازية السياسية مستخدمة النصرة وما يشبهها كذريعة لقبولها في الأروقة الدولية والإقليمية، فإما هم أو النصرة! والأمر عينه استخدمه النظام طويلاً، إما هو وبقية الثرثرات عن العلمانية وسوى ذلك كثير أو النصرة؛ فهي وحدها البديل، وبالإطار ذاته استخدمت الدول الإقليمية النصرة بل وحتى داعش ذاتها، لتبرير التنازل عن إسقاط الأنظمة وتبني تعديلها أو إصلاحها، وهذا ينطبق على سورية والعراق؛ أي بعد فشل الدولة بشكل كامل في العراق وليبيا، صار التفكير الأمريكي يتبنى إصلاح الأنظمة، وفي هذا يتلاقى مع الروس، الذين يتبنون ذلك كسياسة عامة انطلاقاً من أن الدول يجب الحفاظ عليها.

الدخول في وفد الرياض، واستيلاء النصرة على أسلحة الفرقة 13، والمظاهرات المستمرة في معرة النعمان رفضاً للنصرة وللنظام معاً ومعركة النصرة مؤخراً في الغوطة الشرقية، يستدعي موقفاً جديداً من هذه الحركة، وتخلياً عن الانتهازية السياسية التي سادت لزمن طويل، وتبين فشلها الكامل؛ فالنصرة كررت رفضها لسياسة الضغط الهادئ عليها لفك الارتباط بالقاعدة، وبالتالي لا توجد مبررات فعلية لتأجل حسم الموقف منها؛ الهدنة التي سقطت تقريباً، يعاد إنعاشها من قبل أمريكا وروسيا باستمرار، وبالتالي تصبح وظيفة التقدم في حلب ودرعا واللاذقية  وحماه وحمص لأي طرف من أطراف الصراع في سورية هو تدوير الزوايا والوصول إلى توافق سياسي إقليمي ودولي.

 تغيير موازين القوى لن يوقف التفاوض، فمسألة الحسم العسكري انتهت كلية، والصراع العسكري يستخدم كأداة سياسية على طاولة التفاوض السرية والعلنية وفي إطار إيجاد توافق على الحصص في النظام السوري القادم!

كان من أكبر الأخطاء السماح بوجود فصائل عسكرية أو سياسية لا تنطلق من أهداف الثورة العامة، أي الحرية والكرامة والعدالة، وكذلك الاتكال على الدول الإقليمية والعظمى في إنجاح الثورة؛ والسوريون يحصدون نتائج السياسات الخاطئة للنظام والمعارضة وبسبب التدخل المذكور؛ وفي هذا لن نساوي بين النظام والمعارضة فهو المسؤول الأول عم آلت إليها البلاد بالكامل. 

الهام الآن، ولأن النظام لا تعنيه سورية بثوارها ومواليها، ولأن التفاوض يتم سراً وعلناً، فإن اتخاذ موقف جذري من التنظيمات الجهادية مسألة حاسمة؛ وبكل الأحوال فإن هذه القضية أصبحت مطلوبة شعبياً كما لسان أهل معرة النعمان ومناطق أخرى في حلب وحمص حيث التنديد يتكرر بالنصرة وبممارساتها ولا سيما بمحاكمها الشرعية، وكذلك القضية مطلوبة دولياً، فنجاح التفاوض يتطلب انفكاكاً كاملاً عن النصرة وجند الأقصى والتنظيمات الأخرى.

ومؤخراً بث يوتوب كلمة للظواهري، وتضمنت إدانة للنصرة ذاتها، فهي برأيه ساعدت في عدم سقوط النظام السوري، أي أنها خربت الثورة وساهمت في منع انتصارها (فهي تتحمل مؤخراً مسؤولية مجزرة قرية الزارة وخطف أكثر من مائة مدني منها)؛ وهي وظيفة النصرة والجهاديات والسلفيات بالتحديد.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق