الكراهية السورية كمسألة سياسية

الكراهية السورية كمسألة سياسية
القصص | 21 أبريل 2016

مقالات الرأي | خمس سنوات عمر الثورة السورية، وما زالت قضية الأقليات والأكثرية يطرحها الطائفيون بالطريقة ذاتها؛ الثورة تقوم بها الأكثرية السنية لأنها مضطهدة طائفياً من الأقلية العلوية التي تحكم، وتدعمها بقية الأقليات، وبالتالي كل سني بالضرورة قلبه مع الثورة وكل أقلي قلبه بالتأكيد مع النظام. هذا العقل عقل طائفي بامتياز، يرفض أن يرى البشر إلا طوائف عدديةٍ ويجب أن تكون الغلبة للأكثرية.

عَمّمَ هذا الفهمَ السياسيَّ حركةُ الإخوان المسلمين، الحركة التي أرادت تسوية علاقتها بالنظام بكل الطرق، ولكن الأخير كان يرفض ذلك بكل الطرق؛ وحالما ضعف النظام ولا سيما بعد عام 2000 تدخلت عبر حركة إعلان دمشق ب 2005، وكان التأسيس لمصطلحات "المكونات السورية" أسوة بمصطلح "المكونات العراقية"، وتتضمن نصوص إعلان دمشق كلاماً عن الأكثرية الدينية والأقليات، ولكن الوقت لم يحن حينها للاستثمار بالدين؛ مع بداية الثورة بدأت حركة الإخوان المسلمين الاستثمار الديني مباشرة، فشكلت مع إعلان دمشق المجلس الوطني، ورفضت تشكيل هيئة سياسية وطنية جامعة وقبلها عقدت اجتماعاتها الخاصة بها، ولاحقاً شكلت منظماتها العسكرية والإغاثية وسواها، ولعبت دوراً كارثياً في دفع الثورة نحو خيار الأسلمة وتعميم الصفات الإسلامية على الثورة، فتعمم عبر قناة الجزيرة، وأعطي لممثلي الأخوان الوقت الأكبر للسيطرة على الثورة، وعمم بذلك كلام عن أن الثورة سنية والنظامَ علوي، وبالتالي أصبحت كل الأقليات تابعة للنظام وكل السنة مع الثورة.

لم ينجُ تقريباً مثقف أو سياسي تنتمي أسرته إلى غير السنة من تهمة إخفاء تأييده للسلطة، والعكس صحيح. الأنكى حصل حينما تعسكرت الثورة وزاد النظام بطشه ودماره وقتله، فأصبحت المعادلة لا تقبل القسمة، وكأن من المسلمات ما قالته حركة الإخوان المسلمين. المعارضة السورية ولا سيما المجلس الوطني ولاحقاً الائتلاف الوطني ولنقل أغلبية تجمعاتها السياسية تعاملت مع السياسة من هذه الزاوية، وكافة من دخل تشكيلاتها وكانت أسرته تنتمي للأقليات أدخل فيها تحت مسمى الأقليات؛ هذا الضيق عمم كراهية ورفضاً مطلقاً للأخر، وغُيّب العقل الموضوعي بشكل كلي، وكان ذلك "خدمة صافية" لرواية النظام، وأنّه يواجه تجمعات سلفية وإرهابية وهدفها اجتثاث الأقليات؛ فَهمُ الإخوان هذا كان أسوأ ما لحق بالمعارضة وكان كارثياً على صيرورة الثورة السورية.

من انضوى في هذا الفهم كانت له الأيادي الكبيرة كشخصيات أساسية في المعارضة، ومن رفض الانضواء في الحظيرة الطائفية أصبح عميلاً كافراً، ومن لم يظهر معدنه كذلك في البداية سيظهر لاحقاً لا محالة، وقد حوصر بكل الأشكال  الممكنة وشوهت سمعته.

حصلت حملة تشويهية وتشبيحية بحق جملة قالها السيد مازن درويش في اجتماع لمجلس الأمن الدولي بخصوص الجرائم في سوريا، وفُهم منها أنه يريد حماية الأقليات من الأكثرية وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل من أجل عيون الأقليات. مازن كان يتكلم بسياق محدد، وهو محاسبة المسؤولين والمحاكمة والعدالة والتخوف من انفلات الوضع أكثر فأكثر نحو حرب أهلية ما لم تنفّذ العدالة، أي ما لم يحاسب الصف الأول والثاني من النظام، كما قال الرجل؛ ولسائل عقلاني أن يسأل ومن أفراد تلك الصفوف؟ أليس هم بالضبط من يقال أن النظام علوي بسببهم؟! كلام درويش شمل كافة الأطراف التي لها دور في القتل، أي يجب محاسبتها لتنتقل سوريا فعلاً نحو دولة لكل مواطنيها. هذا الفهم نُسف من أصله فأعيد الرجل إلى "حظيرة" الطائفة، ونبشت قصص عن علويته وأخرى لا علاقة لها بمرافعته، وطبعاً يجب أن يُسأل لماذا كل هذه الحملة والتخوين والتطييف؛ سنقول ربما خان مازناً التعبيرُ، وربما كان عليه الانتباه لحساسية المسألة الطائفية سيما وأنها مسيّدة بفعل الإخوان والطائفيين والنظام. نقول ذلك رغم أن كلامه أتى بسياق واحد فقط، ولا يفسر بسواه، سياق أن المحاسبة والمحاكمة ضرورية ولكل الأطراف وبغية إغلاق كافة الطرق نحو حرب أهلية أعظم مما لاقاه السوريون جميعاً، وطبعاً الكلام لا يساوي أن الأكثرية همجية وستأكل الأقلية ولا سيما العلوية ويجب على المجتمع الدولي التحرك لحمايتها، وقتل الأكثرية أكثر مما فعله النظام بالسوريين!

الحوار الذي قرأناه بين ردود على مازن وموافقة على ما قاله انحدرت بالحوار إلى مستويات رديئة وحادة وبعضها طائفي، وعمّمت كراهية متصاعدة، ويراد من مؤولي ما ذهب إليه الرجل بشكل سلبي تصفيته كشخصية حقوقية وسياسية، فهو خارج القيد الطائفي، ولا يحق لأحد أن يكون كذلك، وكل رفض لهذا الأمر سيُواجه بحملات تشنيع كارثية. يمكن نقد مازن في مساواته المسؤولية تجاه أطراف الصراع، وكان عليه أن يؤكد مسؤولية النظام أولاً وثانياً كل الأطراف، وربما كان عليه ألا يتورط في هكذا حوار ويرفض كل ميل نحو هذا المفهوم، ولكن ورغم خطئه كما نظن فإن ما جرى من نقاشات إقصائية أظهرت المحدودية والضيق الذي يعشعش في أذهان الكثير من السياسيين والمثقفين السوريين.

لم نورّث ثقافية حقوقية، وورثنا ضيقاً من الآخر، وهذه استعادة لعقلية المجتمعات القديمة حيث الحقيقة المطلقة في العشيرة، العائلة، الطائفة، وأكثر من ذلك يمتلك زعيم هذه المجوعات الحقيقة المطلقة وحده، وبالتالي فهو الوحيد الذي ينطق بالحق وليس بسواه؛ بعيداً عن هذا الشكل من الموروثات فهناك التعددية المجتمعية والتعايش الأهلي والانفتاح على الآخر، وحينها لم يكن النقد يشجع الاجتثاث، أما وبعد تطييف الطائفة وعلونة النظام وتسنين الثورة فإن كل شيء أصبح مُسفاً.

الثورة السورية تستحق أن تقرأ كما هي ثورة مهمشين وفقراء ضحوا بكل شيء من أجل حياة أفضل لكل السوريين وثار معها فئات أخرى بالتأكيد، وحوصرت من أطراف كثيرة ودُفعت نحو خيارات الأسلمة بكل السبل، ورغم كل ذلك فإن تجدد مظاهراتها وبدءاً من الهدنة دفعها مجدداً لتعلن أنها ثورة لكل السوريين؛ فهل يتخلى أصحاب مشاريع الكراهية نحو طموحاتهم وضيق رؤاهم السياسية والمجتمعية، وينخرطون في مشاريع سياسية من أجل الجميع. الأمر متروك للمستقبل، ولكن خطوات صغيرة تساهم في صنعه أيضاً.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق