أي جلاء نريد من محتل سوري؟

أي جلاء نريد من محتل سوري؟
القصص | 18 أبريل 2016

عامٌ بعد عام من عمر الثورة، تمر ذكرى عيد الجلاء في سوريا دافعاً لمزيد من التأمل حول معاني الجلاء، والاستقلال، والحرية.

فجلاء المحتل الفرنسي برحيل آخر الجنود الفرنسيين عن أرض الوطن الحبيب سوريا يوم السابع عشر من نيسان لعام 1947، توج بعرض عسكري ضخم أقيم في شارع شكري القوتلي، وعادة ما رافقه عروض رياضية وفعاليات متنوعة لسنوات عديدة تلت، احتفاء بحرية قدم من أجلها السوريون التضحيات لعشرات السنين وأملاً في انتقال طال انتظاره نحو الدولة الوطنية الحديثة وفتح المجال العام للأحزاب وللطباعة والنشر والكلمة الحرة، احتفاء عسكري جسد أماني السوريين بمجتمع تعددي وأطل من خلاله الجيش كجيش وطني للبلاد الحرة المستقلة الموعودة.

فيما أثارت شعارات مطالبة بالحرية تركها أطفال على جدران مدارسهم حفيظة النظام الذي يفترض أنه "وطني" ليخرج على السوريين برصاصه وطيرانه الحربي وبراميله وسلاحه الكيماوي وبصنوف تعذيب وقتل وتهجير عبر البحار لم تشهد له البشرية مثيلاً.

وبين المشهدين مرت سوريا بحكومات وطنية لم يدم حكمها سوى أشهر قليلة، وبانقلابات قادها جنرالات ورؤساء حكومات، كما شهدت تنازل أحد أبرز رؤسائها للرئاسة شكري القوتلي إرضاء لآمال السوريين في وحدة عساها تحقق حلمهم القومي.

إلى أن انبثق من حيث لا يدري السوريون زعيم اسمه حافظ الأسد لم يكن لعائلته أي تاريخ يذكر في الطائفة أو المجتمع أو الطبقة، وقطعاً ليس على الصعيد الوطني. 

تدرج حافظ الأسد من طيار إلى وزير للحربية إلى أن قاد انقلاباً سنة 1970قبل أن يتولى بنفسه رئاسة الجمهورية العربية السورية منذ العام 1971 حتى تاريخ وفاته سنة 2000.

ثلاثون عاماً بدأ خلالها الأسد الأب بتصفية أقرب أصدقائه من صلاح جديد إلى محمد عمران ونفي بعضهم الآخر كإبراهيم ماخوس، ثم استبدل كل زعماء الطائفة بمشايخ تم تصنيعهم من قبل نظامه، قرب إليه تجار ومتنفذي جميع الطوائف وأنشأ طبقة احتكارية استغلالية عاثت فساداً في البلاد بالتزامن مع إطاحته بكل حراك نقابي أو شعبي يرفع شعارات مطالبة بمزيد من الحريات أو يعترض على تسلط هذا أو ذاك من هذه الطبقة المفسدة الفاسدة التي أحالت سوريا من وطن حر مستقل يعمل على تحسين دستوره وقوانينه وإيجاد آليات لحكم عادل أو على أقل تقدير يجتهد في ذلك، إلى مزرعة يديرها شخص بدعم من مجموعة لصوص ومجرمي حرب وشبيحة!

من المؤسف أن البلاد التي توحد زعماء طوائفها وجميع أبنائها لإخراج محتل أجنبي، قد انبثق من بينهم زعيم أحالها مزرعة، قتل مئات الآلاف تعذيباً أو رمياً بالرصاص أو رمياً بالزنازين، ومزق البنية الاجتماعية التي بقيت متجانسة ومتماسكة إلى حد بعيد منذ سبعة آلاف عام!

من المحزن أن يتحول شعار سوريا بلد الحضارة من "أحمل معولك واتبعني" إلى "اجمع شبيحتك واتبعني"!

من الواضح اليوم أن بشار الأسد يقدم نفسه للغرب والعالم ومن على منابره على أنه رئيس ديمقراطي لبلاد اسمها سوريا، فيما لا يعدو كونه زعيم زمرة من الفاسدين أتت به لحكم البلاد بعد أبيه.

احتاج المجيء بـ بشار الأسد ربع ساعة ممن يدعون كذباً تمثيل الشعب السوري، فيما احتاج من الشعب السوري ذاته حتى اليوم خمسة سنوات وتدمير مليون منزل ومئات آلاف المعتقلين، والشهداء، وترك ألغاما من الحقد الفتاك في كل شارع وبناية وحتى في البيت الواحد، فإلى متى؟

لاشك بأننا ننتظر قراراً دولياً بإزاحته من المشهد بطريقة ما، فصلاحية نظامه ماتزال سارية وان كانت قد أزفت نهايتها، لكن الرهان الحقيقي يبقى على وحدة السوريين المشتتين حاليا، وحدتهم في المآل، وعلى قدرة جميع أبناء سوريا المؤمنين بعدالة قضيتهم وحاملي رسالة هذا الشرق العظيم في تضميد الجرح تمهيداً لقيامة سوريا من جديد رغم الألم.

انه تحد أمام جميع طوائفها للخروج بمشروع وطني أخيراً، فهل نكون على قدر الرهان؟

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق