لم يكن يوم الاثنين الماضي طبيعياً، في مدينة سلمية وسط سوريا، فالمياه عادت إلى زيارة البيوت بعد انقطاع، دام لأكثر من أربعة أشهر!
عودة ضخ المياه إلى صنابير المنازل بالمدينة، لاقت ترحيباً كبيراً، على أرض الواقع وفي شبكة الانترنت، ترحيب ممزوج بالسخرية المولودة من الألم.
شهد الفيسبوك حواراً، بين شابين من أبناء سلمية، فكتب عبد الله الشعار المقيم في السويد على صفحته: "بعد غياب كامل للمياة لمدة أربع شهور عن مدينة سلمية، اليوم العالم كلها نضيفة وعم تلمع وريحة الهفهفة عم تطلع من البيوت، ويوجد توقعات بإزدياد عدد السكان في المدينة خلال الأيام القليلة القادمة".
فرد عليه طارق عواد متسائلاً بلكنته السلمونية: "بعد أربع شهور اجت يوم ...لحقت الناس تشطف؟"، ليجيب عبد الله: "لك شو تتشطف، الهفهفة واصلة لهون (السويد) شامم ريحة مسحوق الأفراح لعندي".
من المُتهم؟
قبل أربعة أشهر، انقطعت المياه فجأة، ودون سابق إنذار، عن مدينة سلمية، التي تقع شمال حمص وفي ريف حماة الشرقي، وتحتضن أكثر من 300 ألف نسمة، بين أهلها، ونازحين من مناطق سورية أخرى.
سلطات النظام بقيت على روايتها عن سبب الانقطاع، موجهة أصابع الاتهام، لمقاتلي المعارضة، الذين يتحكموا بالأنابيب في مناطق الرميلة والقنطرة غرب سلمية، حتى وصلت لاتهام أهالي الرستن بريف حمص الشمالي.
لكن لم يذكر النظام، معلومات عن أن منظمات دولية، قدمت مشروعاً لحكومته عام 2013، يتضمن حفر أربعة آبار في مناطق بسلمية، جاهزة لتلبية حاجات المنطقة من المياه، و"الحكومة"، لم تعطِ أي جواب.
سخرية مستمرة!
تستمر الاحتفالات بين أبناء سلمية، على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب أحد الشبان القاطنين فيها:" اجت المي / 11-4-2016"، مطلقاً هاشتاغ: "#كي_لاننسى، و #جاءت_معذبتي".
وتعالت الأصوات ليكون يوم 11 نيسان، ذكرى، كي لا ينسى الأهالي، أن الماء غابت عن المدينة المعروفة بعيون المياه حولها، لمدة طويلة، وعادت أخيراً.
تعليقات السخرية من الواقع، لم تتوقف، فكلما حاولت التواصل مع إحدى الأمهات في مدينة سلمية، ترد عليك بأنها لا تملك وقتاً حالياً، حيث تريد استغلال ساعات عودة ضخ المياه إلى منزلها، لتقضي كل حاجياتها.
حتى أن إحدى السيدات بالمدينة، ربطت الأمر بانتخابات مجلس الشعب التابع للنظام، التي بدأت حملاتها الترويجية مؤخراً. ربط مليئ بالتهكم على "عودة المياه لسلمية، بمناسبة العرس الديمقراطي".
سلمية في واقع مختلف
وخلال التعمق ومتابعة أحوال سلمية، يبدو واضحاً انفصال المدينة عن الكثير من الأحداث على الساحة السورية، فلم تشهد احتفالات كدمشق وبعض مدن الساحل، ودبكات على أنغام الانتخابات وما تبعها من ضخ أموال كبير، ولا توجد متابعة لانطلاق الجولة الثالثة من محادثات جينيف 3 بين النظام السوري والمعارضة، فثمة ما هو أهم من كل ذلك، مراقبة وتتبع ساعات عودة ضخ المياه، في كل حارة.
وربما، أكثر ما جعل رد الفعل كبيراً على عودة المياه الأخيرة، أن انقطاعها لأكثر من أربعة أشهر لم يحدث من قبل، ولا حتى نقطة واحدة تواجدت في صنابير البيوت، رغم أن أهل المدينة، اعتادوا على شح المياه من قبل عام 2011، حيث كانت تُضخ قبل يوماً واحداً، كل أربعة أو ثلاثة أيام، لحارة واحدة!
وأسوأ ما في شهور الجفاف الماضية، أن سعر صهريج المياه بسعة 5 براميل، تخطى حاجز الـ1600 ليرة، وكل أسرة مؤلفة من 4 أشخاص في سلمية، تحتاج لصهريج كل 3 أيام، ما يعني أنها كانت تتكبد شهرياً، مبلغ 16 ألف ليرة، على مياه الغسيل والتنظيف، فقط! وهو مبلغ كبير، على النسبة الأكبر من أهالي المدينة، وهم من ذوي الدخل المحدود.
حال جديد فُرض على سلمية، المعروفة بسوية أبنائها الثقافية العالية، وفقرها الشديد، الذي تضاعف خلال السنوات الأربعة الأخيرة، حتى أن إحدى بنات سلمية علّقت في الموقع الأزرق على عودة المياه: "ألف مبروك والله شي بضحك عم نبارك بجيت المي عيب المهم الله يعينكن".