تفاجأ العالم بنساء معرة النعمان، وهن ينزلن إلى الشوارع لمواجهة التنظيم الجهادي "النصرة" بعد اقتحامه للفرقة 13 وقتل عناصر منها ومصادرة السلاح؛ ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. النساء نزلن في 2011 و2012، فهن جزء من الثورة الشعبية، وحينما كانت تشتد المواجهة مع النظام، ولكن وحالما أخذ السلاح يصبح مكوناً أساسياً في العمل الثوري، تم التضييق التدريجي على المرأة حتى أودعت البيت مجدداً وحُجِر عليها، وكان التبرير الخوف من الاغتصاب والسجن. الحقيقة أن المجتمع يخاف أن تلعب المرأة دوراً قيادياً وتنخرط بشكل كامل في الثورة والحياة وتطالب بالمساواة الكاملة في الحقوق، وهذا سيترتب عليه، إحداث تغيير كبير في المجتمع والدستور والعلاقات المجتمعية والنظرة الذكورية البطريركية. بالتالي وتفادياً لكل ذلك، تم الحجر على النساء؛ النساء اللواتي رَفضن ذلك عُهرن من المجتمع والثوار والنظام والأسرة الخاصة، ومن ناحية أخرى أصبحت النساء تشككن بالمعارضة وبالثورة، فما الفائدة من ثورة لا تنصفهن؟!
السلطة الذكورية تعززت بتشكيل المكون العسكري، ولكن الجهادية العالية التنظيم، والمحددة الرؤية والهدف كما داعش والنصرة سحقت هذا المكون، وتبين هشاشته، فكان لا بد من عودة النساء؛ قبل نساء معرة النعمان، فقد تظاهرن طيلة عام 2015 في الغوطة الشرقية ضد نظام زهران علوش وضد نظام دمشق، وركضن خلف أولادهن لإعادة الصغار منهم أو أزواجهم من معسكرات ومعتقلات الدولة الإسلامية. في إدلب حاول تنظيم النصرة فرض سيطرة كاملة، وتخويف النساء بعشرات الحوادث لإنهاء ظاهرة مشاركة المرأة، وليس فقط فرض اللباس الكامل السواد على أجسادهن والفصل بين الجنسين بالمدارس والجامعات، بل وقتل عشرات النسوة في بلدات إدلب بتهمة الزنى، وكان القصد واضحاً إخافة النساء، واعتبار كل امرأة غير خاضعة لأنظمة النصرة في الصلاة واللباس الأسود، وسوى ذلك كافرة أو مذنبة وتستوجب القتل أو الاعتقال في منزلها، وهناك العديد من الناشطات الأوائل تعرضن للكثير من التضييق، ووصل الأمر للقتل، فكان لا بد من اللجوء!.
مع اقتحام النصرة للفرقة 13، كان خطأ هذا التنظيم الكبير، فهي فرقة مشاركة مع النصرة في حصار وادي الضيف، وليست من الفرق "الفاسدة"، وبالتالي هناك أسباب تتعدى هذه القضية، وتكمن بالتحديد في أن النصرة تعتبر مع داعش تنظيمين إرهابيين، وسيكونان على طاولة السحق حالما يبدأ الحل السياسي، وهذا ما تعرفه جيداً النصرة فكان لا بد من الاستيلاء على كافة الفصائل الصغيرة والمسلحة لإضعاف قدرتها على المواجهة المستقبلية، سيما وأن التفاوض لن يتوقف والهدنة مستمرة، وبالتالي جاءت خطوة النصرة كعملية استباقية قبل أن تتشكل التحالفات الفصائلية لمحاربة النصرة وجند الأقصى، وهذا في ظل براغماتية وانتهازية تمتاز بها أحرار الشام وجيش الإسلام في العلاقة مع النصرة. هذان الفصيلان قادرين على إنهاء وجود النصرة في كل من إدلب وفي الغوطة الشرقية، ولكنهما يتركانها كشماعة للضغط والتخويف، وهم بذلك يلعبون السياسة ذاتها التي يلعبها النظام حينما يخيف العالم باسم محاربته التنظيمات الجهادية؟!.
منذ سيطرة النصرة على الفرقة13 في 14-3-2016 في معرة النعمان، ما تزال النساء تخرجن بمظاهرات مستقلة أو مع الرجال، وهذا لا يحدث في مناطق التظاهر التي عمت سوريا بعد تطبيق الهدنة في 27-2-2016 ، وهو دليل على أن المعركة في تلك البلدة صعبة، وقد شبه المتظاهرون فيها ممارسات النصرة بممارسات النظام، والهتاف ضدها بشكل صريح، وضد جهاديتها "ياجولاني قوم وشوف المرتددين ألوف ألوف وبدهم ترحل شو ما صار يا جولاني هي المعرة خود كلابك واطلع برا معرتنا حرة حرة وبدك ترحل بالصرماي نحنا نحنا المرتدين بدنا نعلمك كيف الدين وأيامك صاروا خالصين وآخر أيامك يا حمار" في 29-3. الجديد هنا أن المعركة أصبحت مفتوحة، ودور الشعب يعود قوياً؛ والنساء دورهن مركزي في كل ذلك.
في الأسابيع الأخيرة دار جدل كبير في الصحافة وفي الفيس بوك، حول تشكيل الموقف المهادن للمجلس الاستشاري للنساء من النظام وحول مبررات تشكيله، وصدرت بيانات كثيرة، ولكن الأهم من ذلك، أن موقع المرأة لدى تيارات المعارضة ضعيف، وتمثيلها شبه نادر، وهناك نساء محددات يظهر في كل "عرس". تقول هذه الواقعة، ورغم أنني من أنصار فكرة الثورة الشعبية وأن الواقع "ينضح بما فيه" فإن الثورة وبعد خمس سنوات على اندلاعها مجحفة بحق النساء. نعم الأمر كذلك، ويشير موقعها المتجدد في معرة النعمان، وقبل ذلك في الغوطة، وفي دولة داعش، أن هذه الثورة لا يمكنها الانتصار دون أن تعيد للمرأة مكانتها كشريكة في الثورة ولها الحقوق ذاتها في تمثيلها، وأن كل تنظيم لا تتمثل فيه المرأة هو تنظيم ذكوري وضد المرأة بشكل صريح وسافر، وموقفه من النظام هش.
لا أناقش من زاوية الكوتا، وال 30 بالمائة لتتمثل واقعياً وفي كل مؤسسات الثورة والدولة لاحقاً بل من زاوية حقوقها كاملة، وهو ما يتطلب تغييراً في ذهنية المنظمات السياسية والمدنية والاجتماعية والخدمية المنتمية للثورة، وفي المجتمع كذلك، وهذا يستدعي إعلاناً صريحاً بأن المرأة مساوية للرجل في كامل الحقوق والواجبات، ورفض كل ادعاء باسم الدين أو الاغتصاب أو مراعاة خصوصية المجتمع الكاذبة لوضع المرأة في موقع أدنى من الرجل.
تحية لنساء معرة النعمان وهن يطردن جبهة النصرة منها، ويواجهن الهمجية الجهادية دفاعاً عن الثورة السورية، فهل تنصفهن الثورة؟!
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر روزنة.