تتكرر جملة "خلي الطلقة ببيت النار" في مدينة سلمية هذه الأيام، بسبب الخوف، والحذر داخل بيوتها، فسلمية تفتقد ضجيج ناسها في الشوارع، وأصوات أبنائها الشباب، الذين هاجرواً هرباً من الخدمة بجيش النظام.
يؤكد أحمد أحد المواطنين في سلمية، أنه لا يفتح باب منزله لأحد، إلا في حال تأكد من هويته وأنه يعرفه، بسبب الخوف والقلق الذي يعيشه.
ويضيف: "لا يمكننا الخروج بعد الساعة السادسة مساءً طالما إنارة معظم الشوارع مطفأة، ولا نخرج حاملين أموالاً، إلا إذا كنا مضطرين على ذلك، بسبب الخوف من الخطف والسرقة".
الخوف يشوّه ملامح المدينة
المعروف عن مدينة سلمية قبل عام 2011، ازدحام أسواقها بسبب بضائعها الرخيصة، كما أن أكبر شوارعها، "شارع حماة"، كان يعد مساحة لدى السكان، للمشي والترفيه حتى ما بعد منتصف الليل.
و بعد دوران آلة المعارك بسوريا حالياً، وارتفاع صوت المسلحين التابعين للنظام واشتداد كلمتهم، أصبحت سلمية مساءً، أشبه بغابة مظلمة.
منذ عدة أشهر، خُطفت فتاتان في منتصف النهار، من شارع الثورة، أحد أكبر شوارع سلمية، تم وضعهما في "فان" أسود، وغابتا لمدة شهر تقريباً.
ماذا حدث معهما؟ تجيب روان وعبير: "كنا عائدتين من العمل، وقامت مجموعة شباب بوضعنا في سيارة فان سوداء واختطفونا، ولم نتمكن حتى من الصراخ".
وبعد الخطف لمدة شهر، قامت عائلة الفتاتين بدفع مبلغ من المال، للخاطفين، لقاء الإفراج عن روان وعبير، و لم يتم التعرف على المجموعة الخاطفة، حتى اللحظة.
لكن ثمة إشارات تدل على الفاعلين، من حديث الشقيقتين: "هؤلاء الشباب مسلحون، أي أنهم إما لجان شعبية أو ينتمون لآل (سلامة) الذين لا يقف بوجههم أحد".
من هم آل سلامة؟
آل سلامة، مجموعة من المسلحين التابعين لقوت النظام، تعود جذورهم إلى قرية المحروسة غرب حماة، ولهم العديد من الأقارب في الصبورة بريف سلمية، وهم من الطائفة العلوية، تسببوا بالعديد من المشاكل مع أهل سلمية، واللجان الشعبية والشبيحة حتى!
وكانت بدايات ظهورهم بالمدينة كفريق مسلح، عام 2013. ومعهم عائلات حليفة لهم من ضيع سلمية كعائلات "حمدان، دردر، والصالح".
وبحسب آراء بعض الأهالي في سلمية، فإن آل سلامة يقومون بحالات الخطف والسرقة، يفرضون سيطرتهم على كل شيء في المكان، ولا يمكن لأي أحد وضع حد لهم، يسرقون وينهبون ويخطفون ويقومون بإطلاق النار على أي سبب، سواءً بالفرح أو الحزن أو حتى خلاف.
في الفترة الأخيرة، كانوا على خلاف مع عائلة "زينو" من سلمية، وتوصل الخلاف لإطلاق النار في الشوارع العامة، وتطور ليصبح كثأر بين العائلتين.
محاولة خطف فاشلة!
محمد أحد أبناء المدينة، تحدث عن محاولة خطفه: "تعرضت لمحاولة خطف فاشلة من أمام منزلي، في تمام الساعة التاسعة مساءً من قبل عدة أشخاص، قام ثلاثة منهم بالإمساك بي، وحاولوا وضعي في سيارتهم من نوع (زوم سوداء)، وضربوني بسبب مقاومتي الشديدة والطويلة، التي أحدثت ضجة وأدت لخروج الناس من بيوتهم لإنقاذي وهربِ الخاطفين".
الغريب بالأمر في حادثة محمد، الوقت الباكر، مكان الخطف، ونوع السيارة، هذا كله يجعل العديد من الأهالي يوجهون الاتهامات لعائلة سلامة.
غياب الأمن ليس المصيبة الوحيدة!
في سلمية الممتدة على موقع استراتيجي مهم، وسط سوريا بين حماة وحمص، ثمة وضع غريب لا يشبه أي مدينة سورية أخرى، على ما يبدو، التيار الكهربائي مثلاً، يزور البيوت نصف ساعة كل ست ساعات في اليوم.
"نحن لا نريد تفعيل التيار الكهربائي في بيوتنا على مدار 24 ساعة، نطالب بأن نتساوى مع كافة المناطق السورية، نظام تقنين منتظم ومحدد لنتمكن من العيش"، يقول أحد المواطنين المقيمين في سلمية.
ويضيف: "كل شيء في حياتنا قائم على الكهرباء، من التدفئة حتى الاتصالات والانترنت".
ويتساءل العديد من السكان: "حتى نحن لا نعلم لأي محطة كهرباء نتبع، إذا طرأ عطل بقرية المخرم التابعة لحمص لا نرى الكهرباء لأيام، علماً أننا نتبع جغرافياً وإدارياً لمحافظة حماة، التي تتمتع بالكهرباء أكثر من مدينتنا".
وأخطر ما في انقطاع تيار الكهرباء عن بيوت سلمية وشوارعها، هو الخوف من الظلام ليلاً، فالكثير من النساء والشابات لا يتجرأن على الخروج بعد غياب الشمس.
الخوف من الخطف ليلاً، لدى النساء، تؤكده ردينة، ابنة سلمية والتي تسكن هناك، وعند سؤالها عن المتغيرات التي طرأت على حياتها جراء انقطاع الكهرباء والظلام ليلاً، تجيب بلكنتها المحلية: "بدي سنة ما بخلص"، في إشارة إلى حجم الكلام الكثير عن التغيرات، بسبب الخوف.
وما يزيد خوف الأهالي حالياً، تحركات تنظيم داعش في شرق سلمية، حيث سيطر مؤخراً على قرية الشيخ هلال، كما قصف قبلها قرية المفكر التي تبعد 18 كم، واشتبك هناك مع قوات النظام، ما تسبب نزوح الكثير من أهل القرية نحو سلمية.
يمكنكم الاستماع للبث المباشر عبر الضغط (هنا)