تحت مدرج ملعب كرة القدم الخاص بالصالة الرياضية، يقطن النازحون الأكثر بؤساً في طرطوس، جلّهم من الأرامل والعجزة، ومن كانوا فقراء حتى قبل أن يتهجّروا.
تحولت غرف الفنون القتالية (جيدو، تيكواندو، وكاراتيه)، الواقعة تحت ملعب كرة القدم بطرطوس، إلى مركز إيواء للنازحين من عدة مناطق سورية، يوفر خدمات لا بأس بها مقارنة بباقي المرافق العامة، التي ينزح إليها الفارون من الحرب.
تؤكد سناء، وهي نازحة في الصالة الرياضية، أن غرف المأوى الجديد تتسع لأكثر من عائلة، وخدمات الماء والكهرباء فيها جيدة، لكنها "تبقى ملجأ"، مشيرة إلى وجود بعض الحساسيات مع الجيران، قد تنغص العيش المشترك في ذلك المأوى، لذا استيعاب الموقف ضروري في هكذا ظروف، بحسب رأيها.
"الظروف هنا أقسى مما قد يتخيله أي شخص"، تقول ثناء وهي أم لثلاثة أطفال، في محاولة لشرح وضعها الحالي المقتصر على تربية الأطفال، وتضيف "ذهبت للعمل في متجر لبيع الجملة، أرتب الأغراض وأنظف المكان، لكن الراتب كان قليلاً جداً، والأولاد في المأوى كانوا بحاجتي.. لم أستطع الصمود بالعمل أكثر من شهرين".
مع مرور الوقت بدأت أعداد النازحين بالتقلص في مركز الايواء بطرطوس، ليبقى من لا حول له على استئجار منزل، وكأن الحرب قد حفرت في نفوسهم ما هو أعمق من مواجهة الحياة.
يقول أبو محمد 65 عاماً، وهو جالس على دلو في حديقة الصالة، منتظراً وجبة الغداء: "أولاد أخي استطاعوا استئجار بيت وتأمين عمل، لم يحالفني الحظ بإيجاد عمل جيد بسبب سني، أستطيع أحياناً تأمين عمل يومي".
ماذا ينتظرون؟
كان من الصعب لدى النازحين المقيمين في الصالة الرياضية بطرطوس، معرفة ماذا ينتظرهم، (اللجوء إلى أوروبا، العودة، أو الانخراط مع وضعهم الجديد)، الإجابات كانت تائهة.
يقول أحد الرجال في المركز: "ننتظر تحسن الأحوال في حلب، ربما نعود إن تحسنت وكان منزلي صامداً". بينما تقول امرأة من ريف حلب الشرقي غير واضعة في الحسبان خيار العودة، بعد أن فقدت نصف عائلتها: "لا أريد التفكير بشيء، لم يعد هناك ما هو أسوأ قد يحصل لنا".
من يدعمهم؟
على وفرتها حيناً، وشحها حيناً آخر، فإن المساعدات المقدمة من منظمة الهلال الأحمر السوري، ومنظمات وجمعيات أخرى، إلى المتضررين من الحرب، لا تؤثر بشيء من واقع الغلاء المتعاظم في البلاد.
"نُحصّل ما يحصل عليه أي شخص آخر لم يخسر منزله أو مكسب رزقه، في وضعنا هذا نحتاج إلى ما هو أكثر من أرز وبطانيات"، يقول أبو محمد، نازح مقيم بالصالة الرياضية.
معظم الجمعيات والمنظمات الانسانية تقدم دعم مادياً للمتضررين من الحرب، قلة منهم يقدم دعماً نفسياً.
ريما متطوعة ضمن فريق الدعم النفسي لمنظمة الهلال الأحمر توضح لروزنة: "على المنظمات الإنسانية الأخذ بالحسبان الوضع النفسي المتفاقم للاجئين سنة بعد سنة، هو شأن مدمر ولا يستهان به بعد كل ما عانوه".
وترى الفتاة، أن منظمة الهلال الأحمر وإن كانت تلعب دوراً في دعم النازحين نفسياً في محنتهم، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى الدعم الناجع، لذا وحسب رأيها، يجب وضع استراتيجيات وتحديد نشاطات أكثر تأثيراً فيما يخص وضع الطفل والمرأة على وجه التحديد.
مهرجان في الصالة والجيران غائبين
بينما تقوم نساء المأوى بجمع أعشاب من الحديقة، لطبخها وتناولها مع بعض مما حصلن عليه من سوق الهال، هناك مهرجان قائم في القسم الأيسر للصالة الرياضة بطرطوس، لدعم الصناعة السورية ومنتجاتها، وتسويقها.
وجهان مختلفان للصالة، رأى البعض فيهما فرصة للسعادة ومحاولة للانتعاش وسط كل ما يحيطنا من أسى، في حين لم ينكر البعض الآخر قساوة المشهد، وابتعاده عن الواقع.
تقول رهام من طرطوس: "قبل أن ندعم المنتج السوري، علينا النظر إلى الخلف وندعم المهجّر السوري.. تنظيم مهرجان لدعم المهجّر السوري، سيكون فكرة جيدة برأيي".
رغم الحسومات التي قدمها المهرجان، فضل معظم قاطني مركز الايواء عدم الدخول والاستفادة من العروض "لا شأن لنا في هكذا أمور"، يقول البعض منهم، لأن ذلك يعني وعلى أية حال، صرف المزيد من المدخرات، لذا فضل معظمهم الإبقاء عليها لحالات الطوارئ.
وحول ذلك تعلق إحدى النازحات: "دخلنا وتفرجنا قليلاً، معظم السلع استغنينا عنها بعد نزوحنا إلى هنا أصلاً، اشتريت زوجي جراب للأطفال ثم عدت".