سوريا.. أعداء الحرية وأصدقاء التطرف

سوريا.. أعداء الحرية وأصدقاء التطرف
القصص | 20 مارس 2016

بعد أن عاد شئ من الحَراك السلمي إلى شوارع المدن والبلدات السورية خلال الاسبوعين الأخيرين، مستفيداً من هدنة هشّة، أعقبت لقاءات جنيف، بدا للقاصي والداني بأن هذا المشهد أتى ليؤكّد مجدداً على أن أصول الثورة السورية هي مطالبية وسلمية. وأن مجرد توفّر الأمان من القصف ومن النار، سيعود الناس، أو جزء هام منهم، إلى التعبير السلمي الذي طالما تم تكذيب حدوثه من قبل النظام السوري ومريديه.

قررت بعض القوى المسلحة المنتمية إلى هذا الشعب وإلى حقوقه وأحلامه، والتي لم تتلوّث بطحالب مستنقعات الموت البشري والأخلاقي التي تحيط بالمقتلة السورية، أن تعود إلى ممارساتها "الحمائية" والتي من أجلها تشكّلت من أجل تأمين التظاهرات السلمية. وبعد أن انتشرت الشرائط المصوّرة معلنةً عودة الحياة من رحم الموت وصنّاعه. بعد هذا وكلّه، ارتأت مجموعة ظلامية انسلّـت كالثعبان الراعف سمّاً في شرايين الحَراك السوري أن تُجهِض الأمل المتجدد وأن تقمع الصوت الخارج من تحت الركام لشعب يعيش مقتلةً لا مثيل لها منذ خمس سنوات.

بدأت مجموعات المتعممين من عصائب القاعدة المدعومة إقليمياً، من قوى تدّعي الاعتدال بالاعتداء على المتظاهرين مدّعيةً بأن حمل الأعلام السورية هو خروج عمّا اعتبروه هم من أصول الدين، والذي ابتدعته عقولٌ ظلامية تلظّوا بها.

بدأت عمليات القمع التي تضاهي تلكم المستخدمة من قبل أجهزة الاستبداد السياسي، وانتشرت القصص والصور والشرائط عن هذه الممارسات، وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات ومهاترات وتخوين وتكفير بين من أدان وطنياً هذه الجرائم بحق الشعب من جهة، وبين من حاول وسعى، بغباء حيناً أو بخطاب سلطوي تهديدي حيناً آخر، لكي يجد تبريرات واهية لهذه الجرائم.

وبعد أكثر من ثلاث سنوات على تحطيم تمثال أبو العلاء المعري من قبل عصابات الجهل التكفيري، والتي حاول كثيرون منّا تبرئتها من هذا الفعل الشنيع، انتفض أهله في معرة النعمان، وبدعم مما تبقى من جيشٍ حرٍ، للتعبير عن رغبتهم الحقيقية في مقارعة الاستبداد السياسي بالعودة الى التظاهر، كما الاستبداد باسم الدين الذي أتاهم به جهلةٌ متعممون من خارج الحدود واشتروا ولاءات في جو من الإحباط وفقدان الأمل.

إنه سيناريو تقليدي عموماً إن تم النظر إليه بتجرّد في مسار أي حَراكٍ شعبي غير مؤطّر وغير مؤدلج بالمعنى الدقيق للكلمة. أما التعبير عن الدهشة الإيجابية في متابعته، والتي حلّت بالكثير من المراقبين، فهو لا ينبع من مكونات المشهد وطبيعته، بل من الشك الذي زرعته التجارب السابقة في وجود إمكانيات تحقيقه بعد خمس سنوات من المقتلة الدائرة، ومن التشرّد المستمر، ومن الإفقار المعيشي، ومن عدم الاكتراث الاقليمي والدولي، ومن النخبوية المرفقة بترفُّعٍ مَرَضيٍ عن أهلنا من خلال اجتراع الخطابات الثقافوية المتخايلة.

استعادة المجال العام، ولو جزئياً وبدون أية أوهام، هي جزءٌ أساس من عملية إعادة الثقة بين السوريين وبينهم وبين مستقبلٍ يمكن لهم نسبياً ـدائماًـ الخوض فيه بأملٍ حاملٍ لبعض المشاريع المشتركة في مسار عملية إعادة البناء غير المادي الشائكة والمعتمدة أساساً على البعد الداخلي، وذلك على هوامش عملية إعادة البناء المادي التي ستقوم عاجلاً أم آجلاً كما في السيناريوهات المشابهة والمتكررة في أصقاع الأرض والتي تعتمد أيضاً على عاملٍ خارجيٍ فاعل ومؤثّر.

استطاعت عصابات الجهل أن تُقصي المتظاهرين وتُحطّم الأعلام الوطنية وتقمع الناس بأساليب بزّت بها أساليب السلطة المستبدة. وعادت الآمال إلى جحورها المظلمة، وبدا أن الأوهام بغدٍ أكثر إشراقاً قد سقطت. واعتبر بعض المراقبين بأن الحَراك المُتجدّد قد أُجهض، وبأن لهذه العصابات، إضافة لقوتها العسكرية، سندٌ شعبيٌ هام نسبياً يمنع تحدّيها أو مواجهتها. مما دفع بعض المعلقين لاستعجال نعي الحَراك وتعظيم تحليلاتهم التي رافقته والتي شككت في جزءٍ منها في طبيعته وفي استمراريته، ليس فقط استناداً إلى عودة القصف المُدمّر، بل استناداً إلى موقف مسبقٍ من مجتمعٍ تم تصنيفه بعيداً عن قيم الحرية والعدالة. وبدا أن من سبق له وخفّف من وقع دخول التطرف والمتطرفين إلى المشهد الثوري السوري، بل ورحّب به، بات يلتقي مع من يضع إشارات الاستفهام حول طبيعة الحَراك المتجدد في جهله المُنظّم للمجتمع وطاقاته.

فوجئ الجميع بالأمس القريب بعودة أهل المعرة لمقارعة المستبد الديني المتمثّل بجبهة النصرة وطردهم غير المسلح لقوات النصرة وحرق مقراتهم. وقد شكّل هذا الفعل جواباً مناسباً لكل التساؤلات ودعوة جادة لاستعادة القراءة في طبيعة المجتمع السوري الذي ظلمته سلطة مستبدة كما قراءات متعجّلة كما عصابات ظلامية كما مواقف سياسوية حابتهم سعياً لتصدّر مشهد سياسيٍ معقد ودامي. وبعيداً عن الشعاراتية، "فإذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر".

* مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر أصحابها، ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي "روزنة".

* تم نشر هذا المقال بموجب اتفاقية اشراكة بين "روزنة" و"هنا صوتك".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق