يقترب استحقاق التسوية السياسية في سوريا وفق مؤتمر جنيف الذي توافقت عليه الدول الفاعلة في المنطقة، بدءاً بوقف إطلاق النار وصولاً إلى السير في حل سياسي، يفتح الأفق مجدداً أمام صوت السياسة مقابل صمت الرصاص.
ومع اقترابه تعيش السويداء اليوم حالة من الركود السياسي والاجتماعي الذي طالما عاشته خلال السنوات الخمسين الماضية، بعد أن تخلل سنيها الخمس الأخيرة بعض الأحداث التي ما لبثت أن هدأت والقليل من الحراك في الشارع الذي لم ينجح في كسر جمود واقع المحافظة نظراً لحساباتها وتخوفاتها الكثيرة، وعدم جاهزيتها للمضي في خطواتٍ جريئة لا تثق بخواتمها، إضافة إلى الركود العام الذي تعيشه في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والذي لم يوصلها إلى مرحلة تتطلب معها البحث عن أفق جديد يتماشى مع تغيُّر واقعها.
حيث ظلّت السويداء تعيش على القليل من واردات زراعتها المتقلبة في كل عام، بالإضافة إلى دخول الكثير من أبنائها في وظائف الدولة أو الإغتراب خارج البلاد. ومع قلة إنتاج المشروعات الصغيرة فيها وندرة المشاريع الكبيرة وإهمالها من حيث السياحة ومشاريع الدولة، ظلت على حالها كقريةٍ كبيرة يبحث ساكنها عن تأمين لقمة العيش ومسكن يأويه، أو مغادرتها حين يطمح لأكثر من ذلك.
الأمر الذي تسبب بركودها طويلاً، والتقليل من رغبة الفرد في محاولة التغيير أمام هذا الركود الحصين. وذلك ما اكتشفه الكثيرون من المشاركين في تظاهراتها خلال السنوات الخمس الأخيرة. بالإضافة إلى أن جزء كبير من الكلمة فيها لكبار الوجهاء العائلية ورجال دينها المتحالفين مع السلطة والمتابعة لخطواتهم. وبالرغم من ابتعاد الكثيرون عنهم لم ينتج جديد يملأ فراغ ذلك البعد. مما سهَّل على السلطة التعامل مع المحافظة والسيطرة على حراكها مؤخراً ونبذ من يخرج عن الوفاق المتفق عليه بينها وبين أولئك الوجهاء.
اليوم وبعد هجرة عدد كبير من أبنائها في موجة جديدة إلى بلاد اللجوء في أوروبا إضافة لمن هم أصلاً في أميركا اللاتينية ودول الخليج العربي ولبنان، وتقيُّد حركة الكثيرين ممن هم في الداخل بطلبهم للخدمة الإلزامية والاحتياطية وابتعاد الكثيرين عن العمل السياسي لصالح أعمال جديدة أخذت جلَّ نشاطهم، سيما مع تراجع السياسة عن المشهد في البلاد كافة واستمرار النظام في ملاحقة العاملين فيها، وإخفاق المعارضة الرسمية في الإقناع بخطابها التغييري. بذلك قلما تبقَّى من يسعى للعمل على إحداث تغيير حقيقي فيها، لتبقى الساحة لمن كانوا منذ خمسين عاماً، وإنْ تغيرت بعض الأسماء وزاد عليها بعض المتنفذين والمنتفعين الجدد من اقتصاد الحرب والذين أطلقوا يد أموالهم في مشاريع جلها في العقارات، حيث لا تضيف على حركة الاقتصاد جديداً بقدر ما تجلب لأبناء المحافظة مزيداً من الغلاء وزيادة الأمر تعقيداً على الفرد البسيط الذي بات بعيداً عن تلك المشاريع بقدر ما تبتعد هي عنه ولا تهتم إلا بمضاعفة أموال أصحابها.
وفقاً لذلك قد لا نجد من يمثل السويداء وشرائحها في أي استحقاق سياسي قادم سوى تلك الوجوه التي اعتادتها المحافظة، أو من نتج عنهم وعمَّا فرضوه من واقع وعلاقات جديدة. وبالتالي فإن ما تغيَّر في سوريا خلال خمسة أعوام لم يؤثر على السويداء إلا بارتداد أزماته وانعزالها عن محيطها في قوقعة أوصلتها إلى انتظار ما يتقرر اليوم من مشاريع للبلاد عامة ولها خاصة دون القدرة على التعامل مع التغير القادم أو المساهمة في رسمه، زيادةً مضاعفة عن عجز باقي السوريين في تقرير مصيرهم.
وبات من يطمح لتحسين ذلك الواقع فيها ينتظر تغيراً فجائياً أشبه بعصا موسى التي تريح من العمل والتفكير والسعي إليها لتحق الحق وتنشر العدل وحدها، فكانت حركة ما سمي بـ"رجال الكرامة" محط أنظار لفترة ليست بالقليلة وفقاً لتلك الرؤية.
ما دامت السويداء تنتظر ذلك الغيب أو الأسطورة لتقوم بما تعجز هي عنه فتلقي بالعبء عليها وتبرر لنفسها ركودها يعني أنها لم تتقدم خطوة واحدة على طريق الإجابة عن الأسئلة التي ما انكفأ يطرحها الواقع منذ خمس سنوات. ولن تبدأ تلك المحافظة التي تنظر لنفسها كعلمانية وعقلانية بالتقدم نحو الأجوبة ما لم تترك خلفها الإتكالية والتبعية، وتعي واقعها وفق العلم والعقل فعلاً لا قولاً أجوفاً. فالمجتمع الذي تحين مرحلة تغيره ولا يتغير يغدو مستنقعاً ينتظر الخلاص الإلهي. ولن يتغير ما لم يبدأ باستيعاب المرحلة والعمل وفقاً لمتطلباتها ومتطلباته.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".