السوريون يتظاهرون من جديد

السوريون يتظاهرون من جديد
القصص | 11 مارس 2016

إنه الأسبوع الثاني من عمر الهدنة في سوريا. على الرغم من أنه قد سجل في إدلب قصف جوي من قبل النظام، وفي حلب إطلاق صواريخ من قبل جبهة النصرة ، وفي مدينة تلبيسة قصف من الطيران الروسي. إلا أنها تبقى استثناءات عن القاعدة التي هي: بدءاً من 27 شباط وللمرة الأولى منذ خمس سنوات لا إطلاق النار ولا قذائف في العديد من المناطق في سوريا. في دمشق تزدحم الحدائق بالناس هذا ما لم تشهده منذ فترة طويلة. حيث كانت حركة الناس، في ضواحي دمشق الخاضعة لسيطرة المعارضة، محدودة بالأقبية والأنفاق. كما تمكنت الأمم المتحدة من إيصال وتوزيع المساعدات في بعض المناطق المحاصرة.

حتى أن المتفائلين بالهدنة هم أنفسهم تفاجئوا باستمرار الهدوء النسبي وعدم إنهائه من قبل فصائل الثوار. توصل وزراء خارجية كل من أمريكا وروسيا، في شباط الماضي، إلى تفاهم بشأن وقف إطلاق النار، استثني منها تنظيم داعش، الذي ستتم محاربته من قبل التحالف الذي تقوده أمريكا ومن قبل الثوار أيضاً بالإضافة للتحالف السوري الروسي الإيراني. وبذلك يبقى المدنيون في مدن كالرقة تحت مرمى النيران. كما استثنيت جبهة النصرة من وقف إطلاق النار. إلا أن جبهة النصرة تشكل جزء من تحالفات الفصائل المعارضة في مناطق عدة، وهذا ما اتخذه النظام وروسيا ذريعة لقصف المعارضة المسلحة في الأشهر الماضية بوصفهم إرهابيين. واستمرت هذه الاسترايجية، بدرجة أقل، في الأيام الماضية أيضاً.

"ما زلنا نريد حرية"

إلى أين ستمضي الأمور؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال في الوقت الراهن في محادثات جنيف، التي ستعقد من المفترض في 14 آذار القادم بين النظام والمعارضة، بل يمكن أن نجد الجواب في سوريا التي تشهد هذه الأيام شيئاً مدهشاً، فالناس تتظاهر من جديد في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يرفعون نفس الشعارات ويغنون نفس الأغاني التي رافقت الاحتجاجات بداية 2011، إلا أنهم الآن يقفون مع أعلامهم ولافتاتهم على أنقاض المدن المدمرة. 

"سوريا جميلة، وبدون الأسد ستكون رائعة" عبارة كتبت قبل بضعة أيام في مناطق المعارضة في حلب. هؤلاء السكان المنهكون يستحقون جائزة نوبل للكوميديا السوداء. "أصبح في سورية شجرة موز وكل القرود تريد أن تتسلق عليها" عبارة أخرى على لافتة  تنتقد كثرة الغزاة والتدخلات الخارجية. "وقف إطلاق النار لا يعني توقف الثورة" هذا ما ردده متظاهرون في سقبا. كما كتب في مناطق أخرى " 2011، 2012، 2013، 2014، 2015، 2016 وما زلنا نريد الحرية". 

المجتمع المدني بين الثوار والجهاديين

يصعب الحكم من الخارج على ما تمثله هذه الاحتجاجات بالنسبة للسكان في مناطق المعارضة إلا أنها تصلح كمؤشر أن قسماً كبيراً من السكان لن يقبل ببقاء بشار الأسد في السلطة، على الرغم من خمس سنوات حرب واستنزاف فرص التسوية. 

ولا يعني ذلك أن يبقى الناس مكتوفين الأيدي وراء الفصائل المقاتلة. حيث بدأت تظهر الخيبة، قبل ثلاث سنوات، من الفساد المتنامي وتشتت  فصائل الجيش السوري الحر. كان وما زال النفوذ المتنامي للمقاتلين الإسلاميين، المسلحين جيداً، موضع ترحيب من قبل البعض، إلا أنه كان مخيفاً لآخرين. إذ تعرض واقعة هذه النقطة بشكل جيد، حدثت في ادلب الشهر الماضي، حيث تعرض متظاهرون للضرب من قبل جبهة النصرة لأنهم رددوا أغاني ضد الجهاديين وضد النظام.

تظهر هذه المشاهد المحلية كم هي العلاقة معقدة بين خصوم الأسد المسلحين والعزل. وكم هي صعبة إجبار المعارضة المشتتة بالالتزام بالهدنة. التي نجحت حتى الآن إلى حد بعيد، ليس فقط بسبب الضغط من قبل الداعمين كأمريكا والسعودية وتركيا، ففي ضواحي دمشق الخاضعة للمعارضة، قامت لجان مدنية محلية بمنع الفصائل المسلحة من قصف دمشق كرد على القصف الجوي الروسي-السوري المستمر على مدن سورية أخرى.

هل يمكن لهذه الاستراحة الأنسانية أن تفضي في مؤتمر جنيف إلى مفاوضات جدية وإلى هدنة؟ لا شيء مستحيل، من وجهة نظر متفائلة، إلا أن ذلك يبدو غير مرجح. 

القتال على جبهتين في حلب

أي تقدم سيحرز في جنيف سيكون مرهوناً بالدرجة الأولى بالأحداث حول مدينة حلب. حيث يتمركز المسلحون غير الجهاديين الذين يمثلون نوعاً ما الذراع العسكري لوفد المعارضة في مفاوضات جنيف. هذه الفصائل المسلحة المدعومة من أمريكا تقاتل منذ سنوات على جبهتين ضد النظام وضد تنظيم داعش، كما تتعرض منذ سنة لقصف جوي روسي عنيف. وجبهة النصرة وداعش تحاول أن تكسب الأرض حول حلب على حساب المعارضة المعتدلة، وكذلك الأمر بالنسبة للفصائل الكردية السورية التي ترغب بإقامة شبه حكم ذاتي. 

ستكون الحرب باهظة الثمن على موسكو وطهران

يصف "نوا بونسي"، الخبير بالشأن السوري في مجموعة الأزمات العالمية، السيناريو الأسوء للحالة: في حال القضاء التام على المعارضة المعتدلة سيتبقى خصمان فقط هما النظام والمجموعالت السلفية الجهادية، ولسوف تتنتهي عملية المفاوضات وسيطلب النظام الدعم من الدول الغربية ضد تنظيم داعش، حيث ستصبح المجموعات الجهادية قوة ضاربة وستشن حرباً طويلة غير متكافئة. بالتالي يتوجب احتواء التصعيد أو استمرار الأزمة إلى نهاية غير منظورة وتفاقم أزمة اللاجئين. 

يجب ألا يصل الأمر إلى السيناريو الأسوء عندما تدرك طهران وروسيا عدة نقاط، بأن الأسد لن يستطيع الحفاظ على المناطق التي استعادها بالدعم الروسي الإيراني نتيجة نقص القوى الأرضية الموالية. وبأن أجهزة السلطة العلوية تعارض بعداء متزايد للنفوذ الإيراني القوي في دمشق. وبأن تكلفة الحرب ستكون باهظة الثمن على إيران وروسيا. ومن ثم لن يتبع ذلك سيناريو جيد لمدة طويلة.

*المقال مترجم عن الألمانية، للاطلاع على الرابط الأساسي اضغط (هنا)


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق