يعمل رجال الخوذ البيضاء في سوريا، على إنقاذ حياة آلاف المدنيين. يخرجون معداتهم البسيطة، ويمضون في البحث عن العالقين بين أنقاض الأبنية المدمرة، عسى أن ينقذوا من تبقى على قيد الحياة ويسعفوه على الفور. هو روتينٌ يومي لسوريين اختاروا هذا الطريق.
الشاب محمد صاحب الثلاثة وعشرين عاماً، كان يحاول مع زملائه مساعدة الناجين من قصف لطائرات النظام السوري على قرية الجانودية بريف إدلب، لكن تغيّرت حياته، بعد انفجار آخر وقع أثناء تأديته لعمله.
فقد محمد أحد رجال الدفاع المدني عينيه، بسبب التفجير الثاني، وتحوّل من مسعف إلى جريح، يحتاج للمساعدة.
يساعدون بعضهم أيضاً
تأسس الدفاع المدني السوري عام 2012، كان هدفه الرئيسي إنقاذ الجرحى المدنيين، جراء تعرضهم للقصف الجوي والمدفعي الذي تتعرض له مناطق المعارضة، ومن فرعه في إدلب، بدأ العاملون في المؤسسة عملهم بشكل يومي دون انقطاع.
يقول مجد أحد العاملين بالدفاع المدني عن قصة محمد: "ارتكب الطيران الحربي ذاك اليوم مجزرة راح ضحيتها 86 قتيلاً، وأكثر من 50 جريحاً، وكان من بين المصابين محمد أحد العاملين معنا في الدفاع المدني، أصبح ضريراً بسبب الإصابة، ونحن في الدفاع المدني متكفلون بعلاجه".
يتجسد عمل الدفاع المدني بفكرة رئيسية، وهي إنقاذ حياة المدنيين، وبعد أن انتشر في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة، أصبح مؤسسة منظمة إدارياً في عام 2013، لها ثمانية وثمانون مركزاً في ثماني محافظات سورية، وتضم ما يزيد عن 2800 متطوع، أما شعارهم الذي تبنوه فهو "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
مصاعب عديدة
رغم المصاعب التي تواجه الدفاع المدني، ومنها التدخل الروسي الأخير، واستخدامه للأسلحة المحرمة دولياً مثل القنابل الفوسفورية والعنقودية واستراتيجية الضربات المزدوجة، لكن هذا الجهاز السوري، ما زال يعمل، ويستنفر في كل مكان يتعرض للقصف، الأمر أدى إلى مقتل 15 متطوعاً بالدفاع المدني، خلال ثلاثة أشهر، بحسب رائد الصالح، مدير الدفاع المدني في سوريا.
"لم يكن هناك في بداية الثورة فرق تقوم بإسعاف المصابين، وإطفاء الحرائق الناجمة عن القصف، لذلك طرأت الفكرة لدى بعض الشباب من أجل تأسيس مؤسسة، غايتها إنقاذ أكبر عدد ممكن من ضحايا القصف" يقول الصالح، مضيفاً: "كانت هذه الخطوة بمثابة الشرارة لانطلاق مؤسسة الدفاع المدني السوري، وشملت ثماني محافظات تضم عشرات المراكز".
ويؤكد الصالح، أن الأشهر الخمسة الأخيرة، هي أصعب فترة تمر على عمل الدفاع المدني، بعد التدخل الروسي في سوريا، بسبب قوة التدمير الذي يخلّفه القصف الروسي. واعتماده على الضربات المزدوجة، حيث يضرب المكان المستهدف لأكثر من مرة في أوقات متقاربة.
مكافآت قليلة
يحصل العاملون في الدفاع المدني مؤخراً، على مكافآت شهرية لقاء عملهم، تصل إلى نحو 175 دولاراً، فالكثيرون منهم يعملون في الإنقاذ، رغم التزاماتهم الأخرى، كمن لديه أسرة ومسؤول عن إعالتها.
ويخشى الكثير من العاملين في الدفاع المدني، أن تقطع مستحقاتهم، فإن حدث ذلك، سيكونوا مضطرين لترك العمل والبحث عن مصدر دخل آخر يؤمن لهم ولأسرهم تأمين لقمة العيش، فيما هناك مشاكل إدارية داخلية في أجهزة الدفاع المدني، تتجسد في إيصال الأموال لداخل سوريا.
وحول ذلك يقول الصالح: "نحاول إيصال الرواتب للعاملين في الدفاع المدني، لكن المشكلة الرئيسية هي تأخر الرواتب، ويعود السبب إلى المشاكل اللوجستية التي تتمثل في إيصال الأموال إلى داخل سوريا، فيصل راتب الشهر الثاني مثلاً في الشهر الثالث، والثالث في الرابع وهكذا، وهذا الأمر طبيعي حيث تعاني منه أي مؤسسة تعمل داخل سوريا".
المرأة لها كلمة
دخلت المرأة إلى جانب الرجل في أجهزة الدفاع المدني، فارتدت القبعة البيضاء، وساندت الرجل في عمله الإنساني، مثل سارة الحوراني المتطوعة في الدفاع المدني فرع درعا، حيث تبذل قصارى جهدها، لتوعية الأطفال والنساء، حول طرق ووسائل الوقاية من القصف والحرائق الناتجة عنه، إضافة لعدم الاقتراب من الأسلحة التي لم تنفجر.
لماذا تخوض هذه التجربة؟ تجيب سارة: "تطوعت في الدفاع المدني بدرعا من أجل مساعدة الأهالي، في حالات القصف الذي تتعرض له درعا من النظام بالأسلحة المختلفة، وتقديم يد العون لهم وقت الحاجة".
وحول مهامها توضح: "المهام التي نقوم بها أثناء عملنا، هي التوعية والحملات الطبية والإغاثية، ولنا جولات في مخيمات النزوح بالمنطقة، نقدم من خلالها المواد الإغاثية".
وجود الخوذ البيضاء يعني الأمان؟
رجال وسيدات الدفاع المدني السوري، أبطال بنظر المدنيين، فوجودهم أثناء تعرض مدينة ما للقصف، يعطي نوعاً من الطمأنينة لمن تأذى، بأن هناك شخص أتى لإنقاذه. كما يرى الكثير من الأهالي.
المواطن عبدالله جدعان، تضرر جراء سقوط برميل متفجر بجانب منزله، وما إن خرج من منزله ليتفقد ما فعله البرميل المتفجر، حتى رأى عناصر الدفاع المدني في المكان، يبحثون عن الجرحى، رغم أن الطيران الحربي لا يزال في الأجواء.
"وقتها كان أولاد أختي خارج المنزل، وحاولنا البحث عنهم فلم نجدهم، وفي الأثناء كان الدفاع المدني قد وصل إلى حينا، وبدأوا بالبحث بين الركام فوجدوا الطفل الأول متوفياً، وأكملوا البحث وأسعفوا الجرحى" يؤكد عبد الله.
ويكمل حديثه: "أثناء عملهم أصبح الناس يصيحون، أن الطائرة عادت من جديد وهي تحوم فوقنا، فجميع الناس هربوا من المنطقة، إلا عناصر الدفاع المدني واصلوا عملهم".
أنقذ أصحاب القبعات البيضاء حياة ما يقارب الخمسين ألف سوري، ولايقتصر عملهم على إنقاذ أرواح السوريين، إنما يساعدون أبناء مناطقهم، مثل فتح الطرقات أثناء الثلوج أو تقديم الإغاثة للنازحين وبناء الخيم لهم، وغيرها الكثير من الخدمات. حتى أنهم لا يتخلون عن زملائهم الذين أصيبوا، كمحمد، فرغم فقدانه لعينيه، يعيش بمساعدة عيون رفاقه من أصحاب الخوذ البيضاء.