مقالات الرأي | ربما حانت ساعة النصرة أخيراً. جبهة النصرة استثناها النظام والتحالف الدولي وروسيا من القصف بالمعنى الواسع، والتي "استجدتها" أغلبية قوى المعارضة السياسية بصفة خاصة من أجل الانفكاك عن تنظيم القاعدة والتحول لحركة وطنية سورية. طبعاً هناك أسباب عديدة للتضارب والتوافق لدى هذه الجبهة. وبغض النظر عن الصواب والخطأ فيما ذكر، فإن مواقف النصرة كانت براغماتية، وتعاملت معها كافة الأطراف المؤثرة في سوريا ببراغماتية كذلك، أي تمددت وإن لم تتمدد كما داعش.
أمّا وقد حان موعد القطاف، فإن النصرة المصنفة وداعش معها ضمن الجماعات الإرهابية، فإن جز الرقاب لا بد أن يحصل! ما أن اقترب موعد تطبيق الهدنة في منتصف ليل 27 شباط 2016، وإيقاف الأعمال العدائية أو النار من التنفيذ، حتى سارعت النصرة للانسحاب من عدة قرى بمدينة إدلب، المدينة التي تفرض عليها النصرة مع جيش الفتح سيطرة كاملة. انسحاب النصرة قطعاً عملية تكتيكية وبراغماتية من قبلها، والهدف أن تضع السوريين والأدالبة في موقع الابتزاز؛ فإيقاف الهدنة سيكون عسيراً، وستكون هناك أخطاء كبيرة فيها، وقد تريد منها روسيا توسيع العمليات العسكرية ضد حركة أحرار الشام وجيش الإسلام وفصائل أخرى، وبالتالي سيكون للنصرة أسباب حقيقية لفرض سيطرتها مجدداً. ولكن، وكي لا نستبق الأحداث، أين ستختفي النصرة ومستودعاتها وعناصرها ومراكز تدريبها وفصائلها في كافة المدن السورية؟!
سيكون الاختفاء صعباً، ولكنها ستنشر عناصرها في إطار الشرطة المحلية أو الالتحاق بفصائل أخرى وهناك من سيؤمر بالذهاب إلى منزله، وسيكون لها أماكن بعيدة عن الأنظار، وربما ستترك مناطق أخرى للقصف. النصرة الآن تنشر تصريحات وتهديدات مبطنة للذين "سيغدرون" بها من مجموعات ستتشكل في مناطق سيطرتها لصالح الحركات التي قضت عليها النصرة كحركة حزم أو للنظام وفق رؤيتها. ما لا شك فيه أن الهدنة وفي حال تطبيقها، والتطورات الميدانية وبند تثبيت المناطق المسيطر عليها تعطي للروس وللأمريكان دافعاً قوياً لتنفيذها، وبالتالي هي فرصة ثمينة للفصائل المستقلة وغير الجهادية ومنها أحرار الشام للتخلص من جبهة النصرة كلية. يعيق ذلك غدر الأمريكان المعروف وهمجية الروس المجربة منذ نهاية أيلول الماضي، وبالتالي لن تخوض حركة أحرار الشام حرباً مباشرة ضدها وكذلك بقية الفصائل، كما فعلت المجموعات التي انخرطت في قوات سوريا الديمقراطية، أي التقدم بغطاء روسي وسلاح أمريكي، ومؤازرة النظام في حربه في ريف حلب الشرقي خاصة. أقصد، وبعيداً عن هذا الشكل المخزي من الانخراط، فإن الاستفادة من واقعة الهدنة ستوفر للفصائل المحلية وفي كل سوريا شرطاً لإنهاء تمدد النصرة وداعش معاً.
الأمر يتطلب حتماً تنسيقاً مع الروس والأمريكان، وهذا أسوأ الممكن ولكنه الواقعة الوحيدة التي تتحول إلى واقعاً مسيطراً في الأيام القادمة.
ستحدث اشتباكات ولا شك بين النصرة وبقية الفصائل، وستنضم مجموعات للنصرة وستنفصل عنها مجموعات كذلك، وستحاول أن تفرض سلطتها مجدداً؛ هذا سيتحقق بالتدريج، وإذا كان يلزم تطبيق الهدنة صدقاً من روسيا، فإن الاشتباكات ستحصل لا محالة. يدعم ذلك أن الروس وبخوا النظام في الأيام الأخيرة كثيراً، ورفضوا الاعتراف بأنهم عازمون على إعادة إنتاجه كما كان مسيطراً قبل 2011، فالهدنة تأتي ضمن الإجراءات التي طالب بها وفد التفاوض، وإن كانت عبر تنسيق أمريكي روسي ومنبثقة عن مؤتمر ميونخ للأمن، وكلام الروس هنا واضح، الحكومة القادمة ستمثل النظام والمعارضة معاً؛ الروس ساعون نحو ذلك، ويريدون موافقة المعارضة ليفرضوا وصاية دولية، وستتواجد أمريكا في الميدان، فهي تبني مطارات لها في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وتدعمه وتدرب عناصره، وبالتالي هي تساند الروس ليحتلوا سوريا، ولتنتهي فكرة الثورة نهائياً من عقول وأفئدة السوريين.
النصرة تراقب الوضع وتعي الإستراتيجية الروسية في فرض وصاية ويمكن القول احتلالاً على سوريا، ولكنها تريد استثمار أخطاء تطبيق الهدنة لتتحرك ضدها وضد من سيكشف عن مولاته لها؛ هنا يفترض بكافة الفصائل المحلية أن تتحرك لتشكيل قيادة موحدة على مستوى سوريا؛ قيادة تقرأ التطورات الميدانية في كافة المدن، وتقرأ إمكانيات التنسيق مع الغُرف المعدة لمراقبة الهدنة، وتشكيل مجموعات إعلامية مهنية لنشر كافة الأخطاء من قبل الروس في تطبيق الهدنة.
الأهم في حالة تطبيق الهدنة، وهو ما سيحدث فارقاً في التطورات الميدانية، هي عودة المدنيين إلى مناطقهم، وهذه ستشكل البداية الحقيقية لنزع سيطرة القوى المسلحة، أكانت نصرة أم سواها، عن كاهل المدنيين، ورفض أية هيئات تم تشكيلها من قبلهم، كالشرطة والقضاء والتعليم وإدارة البلدات والمدن، وإعادة تشكيل فصائل محلية، ترفض أية وصاية من الجهادية بصفة خاصة، وطرد كافة الجهاديين الأجانب من تلك البلدات. إذاً حان موعد الانتهاء من النصرة، وكان من أكبر الأخطاء الدفاع عنها، من قبل وقبل عدة أيام. النصرة تنظيم إرهابي كما داعش، والاختلاف بينهما في درجة الإجرام، ولكن النصرة كذلك تتضمن عناصر سورية اضطرت للالتحاق فيها، وهؤلاء فقط من يمكن دعوتهم للانفكاك كلية عنها.
إن فشلت الهدنة، ستتوسع النصرة مجدداً؛ لقطع الطريق نحو ذلك، وحتى في حال الفشل، فإن تشكيل قيادة موحدة والتنسيق بين الكتائب المحلية سيسمح لهم بمواجهة حقيقية ضدها كما تمّ في درعا والغوطة الشرقية ومناطق أخرى. النصرة ليست وحيدة في حربها ضد السوريين، فلها داعمون إقليميون، وبالتالي لا يمكن مواجهتها دون ذلك التنسيق والتوحد. وطبعاً في حال لم تُؤخذ مصالح الدول المحيطة بسوريا ولا سيما تركيا والسعودية وقطر، فإن الكثير من المعيقات ستواجه الهدنة؛ وهذا لن يتعارض مع مصالح الروس والأمريكان، فهذه الدول ستظل توظف كل تأخير بتطبيق الهدنة لصالح إحكامها على مستقبل السوريين والمنطقة.
النصرة تشكلت لكي لا تنتصر الثورة السورية كما حال الجهاديات والمتشددين. الخلاص منها، يجب أن يأتي في إطار إجراءات الثقة للانتقال إلى حكم انتقالي وفقاً لبيان جنيف الأول، فهل هذا ما سيتحقق في الأسابيع والأشهر القادمة؟! الموضوع شائك كثيراً بعد خمس سنوات دامية.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".