توجه الكثير من السوريين إلى وسائل جديدة يستطيعون من خلالها كسب المال، في ظل أزمة اقتصادية ضخمة تعيشها سوريا. أساليب كثيرة تحولت إلى مصدر معيشة البعض أو كسند لراتب منهار، لكن، مواطنون سوريون اختاروا أساليب لم يكونوا ليستخدمونها سابقاً، وغيرت بطبيعتها "السوداء" مفهوم الكسب لدى البعض.
من موظف إلى تاجر شنطة
رغم كونه موظفاً حكومياً إلا أن أبو حازم، من دمشق، تعرّف على متجر لبيع الألبسة بالقرب من منزله، وبدأ يفكر في إمكانية الاعتماد على هذا المتجر في تجارة بسيطة بمثابة "تجارة شنطة".
يقول أبو حازم: "الراتب لم يعد يكفي أكثر من 5 أيام في الأسبوع وأنا لدي خمسة أبناء، وهو ما دفعني للبحث عن مصدر آخر للدخل".
ويضيف: "البضائع رخيصة الثمن والجيدة نوعاً ما تلقى رواجاً كبيراً هذه الأيام، وهو ما جعلني أفكر في إمكانية بيع هكذا بضائع في مكان عملي حتى لو بالقطعة الواحدة".
أحد زملاء الرجل صاحب الـ37 عاماً، طلب منه "بنطلون جنيز" من ذات المحل قرب منزله، وهو ما فتح له الباب لتوصية باقي زملاء العمل له، مقابل ربح بسيط يضيفه على الثمن الأصلي.
وهكذا استطاع أبو حازم أن يربح خلال شهر نحو 30 ألف ليرة، وتضاعف المربح لاحقاً خلال شهرين آخرين، وأصبح مدخولاً ثابتاً له، فوظف زوجته أيضاً لتبيع اكسسوارات نسائية لجيرانها في المنزل، وحققت بفضل ذلك مردوداً جيداً.
معقبو المعاملات الأكثر كسباً خلال الحرب
40 ألفاً زائدة على المبلغ الأساسي، هو ما دفع محمود، 29 عاماً، من حلب، للحصول على جوازات سفر خلال أربع ساعات، بدل أن ينتظر يومين كاملين ويتعذب في إحضار الأوراق والبحث عنها.
"أمام مبنى الهجرة والجوازات بدمشق، هنالك أشخاص كثر مهمتهم تسهيل المعاملات وتمكنت من التواصل مع أحدهم، حيث قام بتسهيل معاملة جواز السفر لي ولعائلتي خلال أربع ساعات، مقابل زيادة 40 ألف ليرة على المبلغ الأساسي" يقول أبو محمود.
ويتابع: "وافقت على المبلغ شرط أن أعطيه إياه كاملاً بعد أن يحضر لي الجوازات، وهو ما كان".
في هذه الأيام، تحول محامون كثر إلى معقبي معاملات بفضل علاقاتهم الجيدة مع موظفي الدوائر الحكومية المتصلة بأعمالهم في دمشق، وبالتالي إمكانية تسهيل أمور بعض الناس مقابل مبالغ يتقاضاها المحامي والموظف بالاتفاق، كانت قد سميت سابقاً "رشوة"، لكنها أصبحت في الوقت الحالي ضرورة كما يرون.
يقول أحد المحامين: "ملايين السوريين خارج البلد، كما أن عشرات الآلاف يغادرونه يومياً وهم بحاجة إلى ثبوتيات وأوراق بشكل دائم، وهو ما فتح علينا باب عمل بمبالغ طائلة".
طرق "سوداء" لكسب الأموال
تجارة السلاح والحشيش وحتى الأعضاء البشرية، كأبرز أنواع التجارة السوداء في سوريا، أصبح لها أسواقاً كبيرة ورواجاً واسعاً في سوريا.
أبو شام، 34 عاماً، عامل حر من حماة، يقول: "الاعتماد الأساسي في تجارة الحشيش على لبنان بصراحة، وخصوصاً في ظل الفلتان الأمني الحالي، حيث لم يعد هنالك أي محاسبات كما كان، وبات يمكننا رشوة بعض المسؤولين بالحشيش وإدخال الكمية المطلوبة لبيعها في الأسواق".
الأرقام ليست دقيقة عن سعر كيلو الحشيش بأنواعه المختلفة، إلا أن "1500 دولار"، هو الرقم الذي تحدث عنه "أبو شام" بائع الحشيش لـ"روزنة".
وماذا عن السلاح؟ لا ينكر سوريون كثر انتشار تجارة السلاح بكثرة بعد عام 2013، في حين يشير البعض بأصابع الاتهام إلى "ضباط الأسد" في الترويج لهذه التجارة.
محمد صاحب محل تجاري من ريف اللاذقية يؤكد أن سلاح الـpump action كان الأكثر بيعاً في الأسواق، موضحاً: "أنا شخصياً اشتريت واحداً بـ13 ألف ليرة سورية قبل ثلاث سنوات، ولا يمكنني أن أخفي بأن من باعني هو ضابط في الجيش، باع غيري عشرات القطع من ذات السلاح وأصبحت بالنسبة له تجارة، لكنها تجارة نشر الأسلحة بين الناس وبالتالي نشر الموت".
وصل سعر نفس السلاح في الأسواق السورية إلى 50 ألف ليرة، فيما بيعت الأسلحة الرشاشة بحدود الـ100 إلى 200 ألف ليرة.
الخطف وتجارة الأعضاء البشرية
انتشرت ظاهرة الخطف وطلب الفدية بشكل كبير بين حماة والساحل السوري، واكتشف العديد من عائلات المختطفين بأن من يخطف هو "قريب من النظام"، في حين بلغت الأموال المطلوبة كفدية، حدود الـ10 ملايين ليرة سورية وأحياناً أكثر.
إلا أنه في بعض الأحيان يتجاوز الاختطاف حدود طلب الفدية، ليصل إلى قتل الضحية المختطفة وبيع أعضائها في السوق السوداء.
رواد، 42 عاماً، طبيب سوري مقيم في لبنان، يقول: "الكلى وقرنية العين هي أبرز ما يسعى له سماسرة الأعضاء البشرية، إذ يصل سعرها إلى أكثر من 50 ألف دولار".
لاحقاً اكتشفت في الشمال السوري جثثٌ لسوريين، اشتبه في كون تجار الأعضاء البشرية قاموا بقتلهم وبيع أعضائهم، "بدليل القطب البدائية في بطون القتلى".