منذ خمس سنوات وحتى اليوم لم يعد البلد الذي كان اسمه سوريا، بلدا جميلا مرصعا بالثروات ومكتنزا لها، البلد الذي بنيت فيه أول الحضارات، واكتشفت فيه أول أبجدية، وأول قرية، وأقدم مدينة، وأقدم عاصمة، البلد الغني الفريد يخيل للناظر اليه اليوم أنه قد تم سحبه من ضفائره وسحله واعادته آلاف السنوات للوراء.
وحتى في أشد فترات التقشف التي عاشتها البلاد في الثمانينات من القرن الماضي، كانت البلد تعطي ما يكفي لسد أفواه مسؤولي نظامه الجشع، ويزيد عن سرقاتهم ما يكفي لجعلها من أغنى بلاد العالم.
في سوريا ثروات زراعية متنوعة بتنوع مناخها، فما قبل الثورة كنت تجد الفواكه الاستوائية والفواكه التي تحتاج مناخا باردا، وكان القطن السوري الذي يزرع على مساحات واسعة في جزيرتها من أجود أنواع القطن في العالم، وكنا نصدر القمح القاسي الى ايطاليا لتصنع هناك أجود انواع المعكرونة ونصدره الى روسيا، روسيا التي تصدر لنا اليوم الموت الرهيب، ولا شيء سواه.
بينما انخفض انتاج المحاصيل الزراعية بشكل كبير ليس فقط بسبب اعتقال وتهجير الفلاحين من الريف السوري، ولكن أيضا بسبب نقص الأسمدة والمستلزمات الزراعية، وارتفاع أسعار المازوت، ونقص المياه، والسبب الاهم نقص اليد العاملة بالزراعة نتيجة الاعتقالات التي طالت الريف السوري والتهجير والقصف المستمر منذ خمس سنوات حتى ساعتنا هذه. وبينما يحتاج المزارعون براميل المازوت ليشغلوا محركاتهم الزراعية ويعيدوا الخضرة لسهولها وجبالها، تلقى عليهم براميل الموت فتحرق قلوبهم بقتل فلذات اكبادهم وتحرق أرضهم التي سقوطها عرقهم وعمرهم لتخضر وتورق.
واذ تتقدم جحافل داعش المدعومة بشكل غير معلن من قبل دول بكاملها لتسيطر على حقول النفط والغاز وسبخات الملح وحقول الفوسفات بين البادية والجزيرة السورية فإنها تسرق بشكل معلن ثروات البلاد، فيما تدمر حضارتها.
آلاف التماثيل والقطع الأثرية النادرة المحفوظة في المتاحف إما تم تدميرها من قبل الظلاميين أو تمت سرقتها، وقطع ببلايين الدولارات تم بيعها لمنظمات عالمية متخصصة في جمع القطع الأثرية النادرة، من بينها قطع تم استعمال أدوات بدائية أثناء التنقيب والكشف عنها مما أفقدها الكثير من قيمتها.
في سوريا تم تدمير ما يزيد عن مليون منزل، قام مناصرو النظام بنهب المنازل المهدمة والمتضررة جزئيا أو كليا، وبيع مقتنيات أصحابها واثاث المنزل في أسواق خاصة على امتداد البلاد، لتتحول أجزاء كبيرة من المدن السورية إلى كومة حجارة، وحقد أسهم بدوره في اضعاف البلاد وضربها من الداخل وتفخيخ كل حي وشارع فيها، بل ودق اسفين الفرقة حتى في العائلة الواحدة!
وبين صورة سوريا كبلد موحد، متنوع في مصادر دخله، غني بأرضه ومناخه وأعماق ترابه، فريد في قيمته الحضارية، وصورة مواطنيه عائلات مشردة مضطرين للهروب من موت محتم من أرضهم التي يعشقون ليطلبوا العون، مفارقة مؤلمة.
بين المعلومات المؤكدة حول كون سوريا مهد الأبجدية الأولى وبين كون معظم أطفالها اليوم محرومين من حق التعلم، مفارقة لا تقل ايلاما.
سوريا، الموطن الأصلي للجوز، إلى بلد يقوم نظامه بتكسير رؤوس أبنائه المطالبين بتحرير العقل.
سوريا، البلد الذي كان إلى وقت قريب يصدر القمح الى بلدان العالم، صار بلدا يموت فيه الناس جوعا على مرأى حكام العالم حيث يرمى القمح للبحر، كي يحافظ على سعره!
وتبقى سوريا أغنى بلد في العالم رغم كل ما حصل وسيحصل، فوحدهم السوريون قادرون على دفع ثمن الحرية الغالي دون أن يبالوا بما هو آت.
فالحرية وحدها، تكفل للوطن الغني أن يبقى الوطن الأجمل!
فهل سيتمكن السوريون من صنع حريتهم بأيديهم، وتصديرها للعالم؟
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".