أصيب مئات الآلاف من السوريين، بإعاقات دائمة، جراء القصف والمعارك الدائرة في البلاد، ويزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب ضعف الإمكانيات والخدمات المقدمة من المنظمات الصحية، وغياب الاهتمام الطبي، وعدم القدرة على حصر الحالات المحتاجة اثر النزوح والهجرة.
بترت يده من الكتف، ونجى من برميل الموت المتفجر بأعجوبة. في مساكن هنانو بريف حلب. تبدلت حياة أحمد (م) الذي يبلغ من العمر 47 عاماً، أصبحت "شبه منتهية" على حد تعبيره، بعدما فقد القدرة على العمل بمهنته في صيانة السيارات.
شدة القصف، وخسارته جزءاً مهماً من جسده الذي يعيل به 8 أطفال وزوجته، مع فقدان الأمل في الحصول على طرف صناعي لضعف إمكانياته المادية التي شابهت إلى حد ما ضعف الخدمات التي تقدمها المنظمات والجمعيات المعنية، دفعه للهرب مع عائلته باتجاه الأراضي التركية، عله يجد من يرأف بحاله.
موت بطيئ
أحمد يقوم بين الحين والآخر بمراسلة عشوائية لمواقع الانترنت التابعة للثورة، عله يجد من ينتشله من حاله المأساوي، دون جدوى، ويقول: "أنا معاق ويدي مقطوعة من الكتف، وعندي ثمانية أطفال كلهم صغار، وأنا حالياً عاطل عن عمل ومقيم في أنقرة منذ حوالي السنة والنصف، ولا أعلم ما العمل.. أنا أموت ببطء مع أطفالي".
حلم تركيب أطراف اصطناعية بات صعب المنال بالنسبة للسوريين في الداخل والخارج، نتيجة الكلف المرتفعة التي تتـراوح بين 500 و1200 دولار، ما يجعـل الحصول عليها أمراً يتطلب بالضرورة دعماً من إحدى المنظمات الدولية أو الجهـات المانحـة من الجمعيات الخيرية، التي تعجز بدورها عن تغطية جميع المتقدمين نتيجة كثرة عددهم، والطلب شبه اليومي المستمر باستمرار الحرب.
بعض المصابين، حققوا حلمهم في الحصول على الطرف الصناعي، إلا أن ذلك الحلم لم يكتمل، فقد أكد بلال (س) من دوما بريف دمشق، أنه "حصل على طرف صناعي بدلاً من رجله اليمنى التي فقدها منذ ثلاث سنوات بقذيفة صاروخية، إلا أنها غير مفيدة كما اعتقد".
نوعية "الطرف الصناعي" الذي حصل عليه بلال "سيئة" على حد تعبيره، فهي مصنوعة بأسلوب بدائي جداً عبر جمعية خيرية محلية تعمل قدر استطاعتها رغم الحصار. حاول بلال الحصول على طرف صناعي عن طريق مخاطبة الجهات الدولية ولم "يجد آذاناً صاغية من أحد" على حد تعبيره.
محلياً
حتى اليوم، لاتوجد إحصائية واضحة ودقيقة، حول ماخلفته الحرب في سوريا من حالات إعاقة وإصابة، نتيجة ضعف الإمكانيات المسحية، وعدم القدرة على متابعة الحالات اليومية جراء القصف المستمر، إضافة إلى هجرة العديد ممن يتعرضون لإصابات تؤدي لبتر أطرافهم أملاً برعاية أفضل، إضافة إلى تقطع أوصال البلاد واختلاف الجهات المسيطرة.
ويتراوح عدد المعاقين بسبب الحرب وفقاً لإحصائيات النظام السوري، مليون ونصف معاق فقدوا عضواً من أعضائهم، بحسب حسين نوفل، رئيس "الهيئة العامة للطب الشرعي" الذي أعلن تلك الاحصائية لصحيفة "الوطن" في تشرين الأول 2015، وجاء ذلك بعد إصدار الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية، تقريراً عام 2014، قال فيه: إن "الحرب التي يشنها النظام في البلاد خلفت نحو 270 ألف إعاقة دائمة"، بينما لم تصدر إحصائية دقيقة موحدة عام 2015 عن أي جهة معارضة.
عالمياً
وفي آذار 2015، حذرت المنظمة الدولية للمعاقين من أن مليون سوري مصاب، مهدد بالإعاقة الدائمة دون أن تشير إلى عدد المصابين بالإعاقة منذ بدء الحرب، مشيرةً إلى أن جيلاً كاملاً من المصابين والمشوهين والمعاقين سيظهر في سورية إذا لم يتحرك المجتمع الدولي.
وفي كانون الأول 2015، بلغت نسبة المعوقين نتيجة الحرب نحو 10% من تعداد السكان، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، مع تحذير المعنيين من ازدياد نسبة الإصابة جراء استمرار الحرب. وأيضاً، لم تحدد المنظمة حينها عدد المعوقين بشكل صريح، مكتفيةً بالنسبة المئوية، وسط غياب إحصائية دقيقة عن تعداد الشعب السوري خلال الحرب.
حصار
الإعاقات التي خلفتها الحرب لم تقتصر فقط على فقدان إحدى الحواس أو الأطراف، بل كان لفرض الحصار على مدن بأكملها، آثار مفجعة وخاصة على الأطفال، فقد أكد تقرير في آذار 2014 لجمعية "أنقذوا الأطفال"، أن أطباء اضطروا لقطع أطراف أطفال في سوريا لعدم وجود المعدات اللازمة لعلاجهم، محذرةً من أن عدد الأطفال الذين أصيبوا بشلل الأطفال بعد بداية الحرب نتيجة الإهمال، ارتفع إلى 80 ألف طفل، بينما أكد الصليب الأحمر عام 2015 أن 5.5 مليون طفل سوري بحاجة إلى مساعدات عاجلة.
وفي أيلول 2015، أعلن المدير الإقليمي لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيتر سلامة، أن "ملايين السوريين يعيشون في ظروف تشابه الحصار، وقد ظهرت حالات سوء تغذية حادة بين الأطفال للمرة الأولى في التاريخ السوري الحديث".