المشكلة هي روسيا وليس الكرد

المشكلة هي روسيا وليس الكرد
القصص | 20 فبراير 2016

مقالات الرأي | يخطئ صالح مسلم بتوظيف قضية حقوق الكرد القومية لإعادة سيطرة قوات النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته، وتمكين الاحتلال الروسي على سورية. فتقدم قواته إلى بلدة تل رفعت ومحاولته السيطرة على بلدة إعزاز، وفي سياق هدوء الجبهة مع داعش، ومحاربة الأخير لقوات المعارضة كما تفعل قوات النظام وإيران والغطاء الروسي، نقول إن فعل صالح مسلم هذا يثير الصدام مع تركيا ومع العرب في سوريا وليس في حلب فقط، ويثير خوفاً من ربط المناطق الكردية ببعضها، وهذا سيكون بعد تهجير العرب، وبالتالي ما تفعله وحدات حماية الشعب الكردي، خطير على مستقبل الكرد وليس فقط صالح مسلم، وهذا ما سيؤسس لعداوات مستقبلية. 

يوظف الروس الآن قوات مسلم ضمن إستراتيجية إذلال المعارضة في مؤتمر جنيف 3، فبإسقاط حلب، أو بمحاصرة القوى الخارجة عن النظام في مناطق محدودة في حلب، سيُفرض على المعارضة واقعاَ جديداً، وأن المدينة الثانية في سوريا خارج سيطرة المعارضة، والمناطق المتبقية لها محدودة. التدقيق في المشهد السوري يقول: جيش الفتح المهيمن عليه من جبهة النصرة يسيطر على إدلب، وداعش في الرقة ودير الزور وقسم كبير من ريف حلب، وجيش الإسلام يسيطر على ريف دمشق الشرقي، وروسيا تقول أنه تنظيم إرهابي، وبالتالي لا يترك للمعارضة إلا خيار الموافقة عل الخيار الروسي للتفاوض أو الانسحاب، وأن تختار روسيا وفدها "الخاص جداً" وعلى رأسه صالح نفسه وهيثم مناع، وشخصيات موالية لروسيا.

يستفيد صالح مسلم، من الروس بالغطاء الجوي للتقدم في غربي نهر الفرات في مناطق عربية وحساسة لتركيا، ويستفيد من الأمريكان ضد داعش، وتشيد أمريكا مطارات عسكرية عديدة في أماكن سيطرة وحدات مسلم وتقوم بوظائف التدريب لقواته، وهذا ما يثير حساسة عربية واسعة؛ فالأمريكان يعادون العرب بشكل رئيسي، ويُترك داعش لممارسة كل أنواع القتل والتضييق عليهم. مسلم هذا ومواليه يصفون العرب، وليس داعش بالدعشنة، وبالتالي هناك عداوات كبيرة تتكرس بين العرب والكرد، وطبعاً من نافل القول أن المجموعات الجهادية تبرر ذلك جزئياً، وهي بكل الأحوال من يُقيّد أيدي العرب عن إعلان مواقف أكثر تشدداً من التحالف الدولي ومن حزب البي يا دي ومن النظام وروسيا.

القصف الروسي القريب من حدود تركيا، والذي يتجاهل منطقة الاشتباك بين الدول، والتي تعني وجود منطقة خالية السلاح ولبضع كيلو مترات بين الدول، دفع تركيا ومعها السعودية لتقديم عرض للدول العظمى بدخول قوات عربية وتركية لمحاربة داعش وتغيير النظام، وكذلك دفعت موجة اللاجئين الكبرى بتجديد العرض التركي بتشكيل منطقة آمنة في شمال سورية. المشكلة أن هذه العروض تُرفض أمريكيا، ويتم التنديد بالقوات التركية التي أطلقت بعد القذائف ضد القوات الكردية التي دخلت تل رفعت وسيطرت على مطار منغ وتستعد لاستيلاء على بلدة إعزاز المتاخمة للحدود، والتي تعد نقطة الإمداد الوحيدة حالياً للقوات المناهضة للنظام؛ الرفض الأمريكي والتصعيد الروسي، والذي يتضمن تخلى أمريكا عن تركيا ورفض روسيا عروض دول الخليج بعلاقات اقتصادية مميزة، وصفقات سلاح، بل وبهيمنة على سورية، أقول هذا الموقف سيشكل حلقة جديدة في الصدام الإقليمي والدولي في مدينة حلب، ومن هنا يرشح الكلام المتكرر عن حرب عالمية مصغرة أو حرب إقليمية واسعة.

الضغط السعودي والتركي، أجبر النظام على عرضٍ مقابل، ألا وهو تجهيز قوات له للدخول إلى الرقة، أي لتفويت العرض السعودي، وطبعاً يكذب النظام، فليس بمقدوره ذلك، وإن الاعتماد على قوات مسلم، سببه الرئيس ضعف قوات النظام وإيران عن استعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته؛ أمريكا التي رحبت كاذبة بدورها بعرض إرسال القوات إلى سورية، رفضت أن تقودها كما ترغب السعودية والإمارات، وتركيا تخيّر أمريكا بين دعم مسلم أو تركيا.

أمريكا تؤكد أنها لن تتخلى عن تركيا ولكن القوات الكردية مفيدة في محاربة داعش، إذاً لا عملية برية ما لم تعتمد السعودية وتركيا إستراتيجية مختلفة وضد الموقف الأمريكي. 

الخلاصة هنا، أن التنسيق الأمريكي الروسي كبير، والولايات المتحدة الأمريكية تدفع المنطقة بأكملها للتورط في سوريا بما فيها روسيا، والغرق في مواجهات دامية في سورية، وهنا ربما سيسمح لتركيا بقصف عنيف لمواقع حزب صالح مسلم، وربما بوصول شحنات صاروخية مضادة للطيران، هذا يعتمد على الموقف الروسي، فإن تراجع وقَبِلَ بتطبيق إجراءات الثقة التي تطالب بها المعارضة في جنيف، فإن أمريكا ستوافق على أن تستثمر روسيا تقدمها في كافة الجبهات، وسترفض أي تدخل تركي في سورية.

بعيداً عن تحليل الوضع الراهن المتعلق بوجود قوات مسلم في تل رفعت وإعزاز وأوهام من يقول بالتقسيم، فإن من أكبر الأخطاء اعتبار قوات الحماية الكردية تمثل الكرد، أو اعتبار الفصائل المناهضة للنظام داعشية الهوى، وكذلك يجب محاصرة كل الميول العنصرية بين العرب والكرد المتصاعدة؛ كل ذلك لن يتوقف قبل بداية الحل السياسي، وبتأجيل ذلك، فإن أمريكا وروسيا تقودان الوضع الإقليمي برمته، وليس فقط بين الكرد والعرب، إل حافة الهاوية والجهادية المتعاظمة، وهذا سيؤدي فعلاً إلى بداية حرب واسعة بين قوات روسيا ومنها قوات النظام وبين الجهادية، والتي ستخلوا الساحة لها في حال استمر القصف الروسي. 

معارك حلب أصبحت إقليمية ودولية بامتياز. وفي حال استمرار تراجع الفصائل وتقدم الروس فإن حرب العصابات ستكون الشكل الوحيد، لمواجهة روسيا وحلفها في سورية، وستتشكل قيادات جديدة للفصائل أوسع مما تشكل أخيراً بقيادة أحد زعماء حركة أحرار الشام، وسيشكل ذلك استنزافا كبيراً لروسيا وبداية هزيمتها؛ فالتدخل الروسي كان أخر "الكي"، قبل انتهاء مسبب ألآلام سوريا منذ عام 2011 بشكل خاص.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق