مع إشراف سوريا على إتمام العام الخامس من ثورتها وحربها الغير مسبوقة، يبدو أن الواقع الميداني على الأرض قد أخذ منحىً مختلفاً تماماً عما اعتادت عليه مقتلة الشعب في أعوامها الماضية. فالتدخل الروسي الذي يشارف بدوره على إتمام شهره الخامس أيضاً، قد أخذ يرسم خارطة جديدة للحرب وسوريا والمنطقة بأسرها.
فالهجوم الواسع الذي شنته قوات النظام السوري بالترافق مع التغطية الجوية الكثيفة لسلاح الجو الروسي الذي كان يقصف بلدات ريف حلب الشمالي و كأنه يحفر الطريق حفراً حتى تمكن النظام السوري، من الوصول لبلدتي نبل والزهراء، هذا الهجوم الواسع تلاه تحركات لقوات سوريا الديموقراطية، متجهة من كانتون عفرين نحو آخر معاقل كتائب المعارصة المسلحة في اعزاز. و فعلاً تمكنت هذه القوات الأخيرة، التي تحظى بدعم روسي وأمريكي مشترك، من تشكيل ممر مماثل لذاك الذي أحرزته قوات النظام، ولكن بوصولها نحو خط الجبهة مع "داعش" المتمركزة في الريف الشرقي لحلب. من ناحية أخرى تعمل جيوب قوات سوريا الديموقراطية المتمركزة في داخل المدينة في حي الشيخ مقصود، على قطع الشريان الأخير المتبقي للمعارضة في مدينة حلب والمتمثل بأوتستراد الكاستيلو. و الذي من شأنه في حال قطعه أن يضع ما يقارب مليون سوري يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة داخل حلب في حصار تام.
من ناحية أخرى تمكنت قوات النظام من خلال الدعم الروسي المباشر جواً وحتى براً من القضاء والسيطرة على معظم مناطق الريف الساحلي في اللاذقية. فبعد سيطرتها على سلمى وربيعة تعود حالياً للسيطرة على كنسبا، آخر معاقل الجيش الحر وكتائب المعارضة الإسلامية المعتدلة في جبل الأكراد. و هكذا غدا النظام على بعد كيلومترات قليلة من جسر الشغور، مما ينذر ببدء معركة إعادة السيطرة على إدلب في الأسابيع المقبلة.
هذه التطورات الميدانية على الأرض لصالح نظام الأسد، رافقها تعثر دولي و إقليمي لوضع حلً للحرب السورية ووقف شلال الدماء. فمحادثات جنيف في الشهر الماضي قد وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن انسحبت كتلة مؤتمر الرياض استنكاراً للهجمة الشرسة على حلب و ريفه الشمالي. و يبدو أن مؤتمر ميونخ الذي وضع أوزاره أيضاً قبل أيام خلت ، لم يفض إلى أي تغيير حقيقي في الموقف الروسي أو الأمريكي. فبعد أن كان الحديث في بداية المؤتمر عن وقف شامل لإطلاق النار ، خرج المؤتمرون في الشأن السوري هناك بصيغة " وقف الأعمال العدائية " التي لا تشمل مناطق سيطرة " الجماعات الإرهابية" التي تحاربهم روسيا على حد زعمها. لكن النظر إلى خريطة توزع من تصفهم روسيا بـ"جماعات إرهابية" بحيث لا تقتصر على داعش أو النصرة بل تشمل كتائب المعارضة من جيش الإسلام و أحرار الشام و غيرهم، تجعل سوريا بأسرها خاضعة للقصف الروسي و آلته الحربية.
على الصعيد الإقليمي، يبدو أن التدخل التركي السعودي، ليس كما يتم التضخيم له في القنوات و المواقع الإخبارية. فعلى الرغم من القصف الحالي و المستمر من قبل المدفعية التركية لمواقع وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين و شمال حلب، إلا أن هذا القصف ليس بقادر على إيقاف تقدم القوات الكوردية و حليفها جيش الثوار في مدن و بلدات ريف حلب كمنغ و عين دقنة و تل رفعت وصولاً إلى اعزاز. و على الرغم من أن قوة التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأتراك حيال " خطهم الأحمر" في عدم السماح بسقوط إعزاز، يبدو كما الخط الأحمر السابق الذي رسمه أردوغان لمدينة حماة، بعدم تكرار المجزرة، وماتلاه في عام 2011 من دخول صاعق لجيش النظام إلى المدينة واحتلالها بشكل تام، دون أن يكون هناك أي تغيير يذكر. أما الخارجية السعودية التي تبدو أكثر جدية في تفعيلها للتدخل المباشر في سوريا على شاكلة ما يجري الآن في اليمن من قصف لعاصفة الحزم، ليس بمقدورها التحرك وحيدة و خاصة دون منحها الضوء الأخضر من الأمريكين و حلف الناتو. كما أن كل التصريحات السعوية لا تشي إلاً بتدخل من شأنه التركيز على داعش و مناطقها ، دون أي ذكر للدخول بمواجهة مع النظام.
في هذا المشهد المعقد الذي وصلت إليه الحرب في سوريا و خريطة السيطرة، يبدو أن الحلول ما تزال بعيدة المنال. و ليس للشعب السوري الآن أي فرصة جدية تلوح بالأفق تجعله يعقد الأمل على خلاص قريب. و كل القوى المتحاربة الداخلية و الخارجية ليست إلاً جزءاً من حرب باردة ينفخ جمرها في منطقة الشرق الأوسط كتتويج لاستقطاب عالمي جديد بين الدولتين العظمتين أمريكا و روسيا. فلا قوات ديموقراطية و ما يمثلها سياسياً من مناع و مسلم هي بتلك الرافعة التي يمكن للشعب السوري أن ينهض على انتصاراتها و لا جيوش الإسلام أو أحراره و من يمثلهم سياسياً من علوش و زعبي تمتلكهم الرغبة لتحرير شعب يرزح داخل صندوق من الموت منذ حوالي خمس سنين. لا يمكن التعويل حالياً على أي من الأطراف السياسية أو العسكرية في المعارضة كي ترسم لنا خريطة طريق لسوريا المستقبل بعيدا عن حكم الأسد أو داعش او غيرهما من أمراء الحرب.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".