عيد الحب في دمشق.. حفلات خيالية ومخاوف من السحب للجيش

عيد الحب في دمشق.. حفلات خيالية ومخاوف من السحب للجيش
تحقيقات | 12 فبراير 2016

انحسر اللون الأحمر عن شوارع دمشق هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، ليبقى طاغياً على لون الموت بكل أشكاله، أما مابقي من دلالات، فأضحى مثيراً "للسخرية" بالنسبة للبعض، وخاصة حين يتعلق الأمر بعيد الحب أو "الفالنتاين".

حتى الإعلان عن حفلات هذه المناسبة التي تصادف 14 شباط من كل عام، كان خجولاً كثيراً، ولا يشابه كل عام، انحسرت الطقوس الاستثنائية لهذه المناسبة لتقتصر على بعض المطاعم والفنادق الفخمة، والتي احتكرت تجارياً بدورها أشهر المغنين، وتركت لباقي المطاعم الصغيرة الفتات، حتى بات إعلانهم عن حفلاتهم "مضحكاً" بحسب البعض، عبر الترويج لشخصيات غير معروفة بأشكال مضحكة.

رغم ذلك، لايمكن تمييز عيد الحب بحفلات المغنين المشهورين أو غير المشهورين، فتلك الفنادق والمطاعم الفخمة معتادة بين الحين والآخر،على الترويج لحفلاتها سواء كانت هناك مناسبة أم لم تكن، وهذه الظاهرة لم تتوقف نهائياً في  سنوات الحرب التي طالت، ماجعل عيد الحب الحالي غير استثنائي تماماً، وخاصة أن بعض الحفلات بدأت من 10 شباط على أنها بمناسبة "عيد الحب".

جورج وسوف يعود إلى دمشق

"الاستثناء" الوحيد الذي حدث، كان بعودة "جورج وسوف" إلى ساحة الغناء في قلب دمشق، بعد انقطاع طويل استمر نحو 3 سنوات، وتم الترويج لذلك بشكل كبير، عبر إحياء حفل له، قيل إنه "بمناسبة عيد الحب" رغم أن تاريخه 12 شباط.

حضور حفلة جورج وسوف، سيبقى "محصوراً بالطبقة المخملية" رغم ما فرضته صورة "أبو وديع" مع شهد برمدا من "جمالية" على شوارع دمشق، بحسب هدى، وهي طالبة تسكن في المدينة الجامعية.

وشرحت هدى:" تراوح سعر بطاقة حضور حفلة جورج وسوف وشهد برمدا في 12 شباط ضمن فندق الداماروز، بين 50 و65 و80 ألف ليرة سورية"، ما يجعل هذا الخيار مستحيلاً بالنسبة لها.

تتضمن الحفلة وجبة عشاء، لكن ذلك لايكفي لإغراء البعض وإنفاق ذلك المبلغ الضخم، الذي قد يصل إلى 100 ألف ليرة سورية بأدنى حالاته لشخصين يحبان بعضهما البعض، في حرب دمرت البلاد اقتصادياً، برأي فؤاد، وهو مهندس مدني، يبدي عدم استعداده لأن يحضر لا "وسوف" ولا سواه. فأي مبلغ سينفقه على هذه "التفاهات"، بحسب تعبيره، يمكن أن يشتري به طعاماً ولباساً لأطفاله، فهذه الطقوس ليست لأمثاله، كما لم تكن سابقاً.

احتكار الحفلات!

هناك خيارات أخرى في فندق الداماروز ذاته القابع بالعاصمة، الذي ظهر بمظهر المحتكر للمغنين المعروفين، "وكيف لا، وهو يعلم مسبقاً أن رواده من المسؤولين وأصحاب النفوذ والتجار والمعتاشين على حساب المواطن الفقير الذي يجب أن يعيش حالة حبه في الشوارع المظلمة دون كهرباء، وسط البرد الشديد دون وردة أو أي هدية"، يقول جورج، وهو موظف في القطاع الخاص، مضيفاً: "حاولت أن أجد حفلة أخرى لمطرب آخر، على الأقل أكون قد سمعت باسمه مسبقاً".

ويوضح جورج، أن سعر بطاقة الدخول إلى حفلة حسين الديك ومحمد مجذوب في 14 شباط بفندق الداماروز، يتراوح بين 25 ألف و30 ألف ليرة سورية، بينما راتبه الشهري يبلغ 23 ألف ليرة، وراتب خطيبته 25 ألفاً، مايجعلهما خارج معادلة عيد الحب هذا العام، وبدلاً من ذلك، سيبحثان عن مطعم رخيص في باب توما، من التي تقدم حفلات لمطربين مغمورين في عيد الحب وفي غيره.

حفلات عيد الحب كمائن للأمن!

مطعم "المشربية" المشهور بأجوائه العائلة وحفلاته الدائمة، في باب توما، أعلن عن حفلتين في 13 و14 شباط، لمغنين مغمورين، هما وائل خوري وكنان حمود، ودخول الحفلة يتطلب دفع 6 آلاف ليرة سورية، تتضمن وجبة عشاء و"مشروب مفتوح"، مايجعل العرض مغرياً بالنسبة لمؤيد، الموظف في إحدى شركات القطاع الخاص، لكنه صعب التحقق رغم سهولته!

يقول مؤيد:" 12 ألف ليرة سورية عني وعن صديقتي، سعر جيد ومناسب، لكن الخوف من الحواجز الطيارة، واستغلال هذا العيد من قبل القوات الأمنية، للدخول إلى المطاعم وإلقاء القبض على الشبان بحجة الاحتياط، يحول دون تحقيق ذلك"، كما يرى أن الوضع يزداد سوءاً، وهناك أمور أهم. الحب موجود بينه وبين صديقته، لكنه غير موجود "بيننا وبين من يتحكم بالشارع"، لذا يفضل البقاء في المنزل، والتحدث عبر الهاتف معها، وفي اليوم التالي قد يراها في أي مكان ويقدم لها هدية، أو يجلسان في كافيه، كالعادة.

أما عماد، وهو طالب في إحدى الجامعات الخاصة، ورغم أنه يمتلك من المال ما يتيح له حضور حفلة جورج وسوف، كونه يعمل في التجارة إلى جانب دراسته، إلا أن الخوف من الحواجز الأمنية، و(لمّ الاحتياط)، والتفجيرات التي قد تحدث في يوم مماثل، جميعها عوامل دفعته لاختيار مطعم قريب من منزله في جرمانا بريف دمشق، يدعى "دهب عتيق"، ويمكنه حضور الحفل هناك وهو مرتاح البال ضمن منطقته، كما أن سعر بطاقة الدخول زهيد جداً، وهو 4 آلاف ليرة على الشخص الواحد، بحضور مطرب محلي، كما سيأتي الفنان عصمت رشيد للغناء ساعة واحدة، ليلة "عيد الحب".

لا احتفال بسبب اللون الأحمر!

من جهته، لم يحتفل إياد  بعيد الحب طيلة سنوات الحرب في سوريا، فبرأيه، اللون الأحمر الذي يصبغ هذا العيد، يذكره بالدماء التي سالت من أخيه على جبهات القتال بعد أن اقتيد إلى الخدمة العسكرية مرغماً في عام 2011.

ويتساءل إياد، عن فائدة عيد الحب والدماء مازالت تسيل في الشوارع، معتبراً الاحتفال بهذا العيد "ضرباً من الفصام!"، إذ أن هناك أناساً لا تجد ما تأكله، وآخرون يلتحفون البرد في الشوارع دونما أي اهتمام، وعائلات فقدت أحباءها وشبابها، لذا يكفي برأيه، أن يفرح الناس حين تنتهي الحرب التي بدأت نتيجة انعدام الحب، ثم يمكنهم حينها الاحتفال بهذه "الطقوس التافهة"، جملة قالها إياد، والعديد من الذين التقتهم "روزنة" في دمشق.

 


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق