يعاني طلاب الجامعات في سوريا عموماً، قصصاً مأساوية لا تظهر للعلن، بدايةً بالصعوبات الأمنية، مروراً بانخفاض قيمة الليرة واضطرار معظمهم للعمل بغية إتمام تعليمهم، وليس نهايةً عند صعوبة التنقل بين المحافظات، وانسحاب معظمهم من مقاعد الدراسة لظروفٍ مختلفة فرضتها الحرب.
عوائق اقتصادية
لا يقلق عثمان "سنة رابعة هندسة مدنية"، من القذائف التي تتساقط يومياً بمحيط جامعته، بقدر ما يثير قلقه تأمين مصروفه الجامعي.
يؤكد الشاب، أنه عمل منذ ثلاث سنوات نادلاً في أحد "الملاهي الليلية" بمدينة جرمانا في ريف دمشق، بغية تأمين مصاريفه الجامعية والشخصية، إلا أنه فقد عمله بعد فترة، وبات استمرار تحصيله العلمي صعباً للغاية بسبب الغلاء الشديد لثمن المحاضرات وأدوات الدراسة والمصاريف الشخصية.
"حاولت البحث عن عمل آخر لكن دون جدوى بسبب تضاربه مع دوامي في الجامعة، كل شيء ارتفع ثمنه، فتصوير الأوراق والمحاضرات وحدها باتت تزيد عن 5 آلاف ليرة شهرياً، ناهيك عن أجور المواصلات والسكن"، يضيف عثمان.
الحالة ذاتها تعيشها "فرح" التي تدرس في كلية الآداب، قدمت فرح من محافظة دير الزور لتدرس في دمشق، إلا أن انقطاع تواصلها مع عائلتها أجبرها على العمل لتأمين مصاريفها، حيث اضطرت للانتقال من منزلها الذي استأجرته إلى السكن الجامعي، وتعيش حالياً في ظروف سيئة للغاية.
وبنظرة سريعة لطلاب الجامعات، تجد أن معظمهم ينتشرون في مهنٍ مختلفةٍ ضمن العاصمة دمشق، ولا سيما أن المصاريف الجامعية أصبحت كارثية ويصعب على جميع الأسر تأمينها، حتى انتقل الأمر للطالبات اللواتي انتشرن بمطاعم دمشق ومقاهيها، بحثاً عما يؤمن لهنَّ دخلاً ميسوراً.
طلاب هجروا المقاعد
هذه الظروف الاقتصادية السيئة، وغيرها من المشاكل التي فرضتها الحرب، أبعدت آلاف الطلاب عن المقاعد الدراسية.
"فاطمة 23 عاماً" درست السنتين الأولى والثانية في كلية الإعلام بجامعة دمشق، إلا أن قرار عائلتها بالهجرة إلى أوروبا منذ سنتين، جعلها تفقد مقاعدها الدراسية، فاطمة التي تعيش اليوم في منزل ريفي حصلت عليه أسرتها من الحكومة النرويجية توضح أنها توسلت لأمها عدة مرات عندما كانت في سوريا، لإتمام دراستها، إلا أن خوف العائلة على مستقبلهم لم يشفع لها.
"منذ تركي للجامعة أشعر أن كل شيء تغيّر، حتى الآن تراودني رغبة ملحّة للعودة، لا أستطيع التأقلم هنا" تقول فاطمة.
لا يختلف الأمر كثيراً عند "ياسر"، الذي ترك جامعته بدمشق وهرب إلى قريته في جبل الزاوية، بعد تلقيه نبأً بأنه مطلوب للنظام السوري بسبب "تقرير" كُتب فيه من أحد زملائه، حتى قرر الرحيل.
يقول متحسّراً على مستقبله: "بقيت في قريتي التي خرجت عن سيطرة النظام لمدة سنة وثمانية أشهر، لم أتمكن خلالها من فعل أي شيء، فقررت الهجرة إلى أوروبا، وأعيش حالياً في أحد المخيمات بمدينة "هانوفر" الألمانية أحاول خلالها تعلم اللغة لإتمام دراستي".
إلى السلاح!
رغم أن هذه الظاهرة تضاءلت في الفترة الأخيرة، إلا أن اتجاه عدد كبير من طلاب الجامعات لحمل السلاح والقتال، كان أمراً واضحاً، ولا سيما في حلب وإدلب وريف دمشق، حيث التحق منذ عام 2012، مئات الطلاب بقوى المعارضة المسلحة، بينما التحق طلاب آخرون بجيش النظام.
"منذر" تحدّث لروزنة تفاصيل التحاقه بالمعارضة المسلحة، حيث أوضح أنه درس ثلاثة سنوات في كلية الآداب قسم الجغرافية بدمشق، حتى اندلعت الأحداث في قريته.
يتابع منذر: "لم أستطع تحمّل القصف الذي تعرضت له قريتي فقررت ترك الجامعة والالتحاق بصفوف المعارضة بعد أن شارفت على إنهاء الدراسة"، ويتابع: "لست نادماً على هذا القرار وأنا مقتنع بما فعلته".
ويعمل منذر الآن في حقل زراعي مع والده بينما يلتحق بالمهمات القتالية في بعض الأحيان، وينشط في مجال الدفاع المدني خلال حالات القصف.
بخلاف منذر، التحق حسين بـ"الدفاع الوطني" التابع للنظام السوري، بريف دمشق، يقول الشاب الذي يدرس في السنة الثانية طب الاسنان، إنه أوقف دراسته والتحق ليقاتل بمنطقة "كناكر".
"بدأتُ أتلقى مهمات محددة للقتال خلال أيام الجمعة فقط، لكن ما لبثتُ أن أوقفت دراستي والتحقت بصفوف الدفاع الوطني، وكل ذلك حدث بإرادتي دون أن أتلقى ضغوطاً من أي جهة"، يضيف حسين.