مقابل قطعة من البسكويت، اعتاد بعض أطفال دوما، البحث عن مادة البلاستيك المتواجدة في شوارع المدينة، فمنذ أولى ساعات الصباح، ينهضون لينجزوا عملهم اليومي، في تجميع البلاستيك، وتسليمه للمركز المخصص لشرائه، آملين الحصول على قطعة معدنية واحدة، قد تمكنهم من إعالة أسرهم أو شراء البسكويت.
زكريا الذي لم يتجاوز العاشرة بعد، لم يمنعه صغر سنه من الحديث كالكبار تماماً، فحكى لنا عن اعتقال والده لدى جيش الإسلام منذ شهر تقريباً، ما دفعه للعمل في التقاط البلاستيك كي يعين عائلته كما يقول.
ويضيف زكريا: "توقفت عن ذاك العمل بعد مقتل أصدقائي في إحدى أيام القصف الحربي على المدينة، أثناء التقاطهم للبلاستيك، لقد كانوا صغاراً مثلي".
التحايل على الموت!
لمّا انعدمت كل وسائل الحياة لديهم، وبات الموت زائرهم الوحيد، في ظل حصار فرضته قوات النظام السوري على كامل الغوطة الشرقية بريف دمشق، لم يبق أمام الأهالي هناك، صغاراً وكباراً، سوى التحايل على الموت نفسه، بابتكار طرق حياة جديدة، ربما تكون بدائية أو حتى خطرة في بعض الأحيان كما يذكرون.
ولكن تلك الطرق، بالتأكيد، ستدفع عنهم أسباب الموت الذي يتربص بهم من كل جانب، فبينما كان أحمد ابن العشرة أعوام، يحكي لنا عن عمله في جمع مادة البلاستيك، اخترقت سماء دوما طائرة حربية، لتلقي بصواريخها على المدينة، إلا أن الطفل الذي ألف واقع القصف اليومي، ما لبث أن أكمل حديثه بشجاعة كبيرة، غير مكترث بما يمكن أن يحدث.
"صرلي سنة عم اشتغل بجمع البلاستيك، وكتير من رفقاتي استشهدوا بسبب هالشغلة، يعني أكيد بخاف من الطيارة بس شو بدنا نساوي" يقول أحمد.
لا خوف !
اللامبالاة باحتمالية الموت اليومي، دفعت عمر ذو الخامسة عشر عاماً، لمواصلة عمله في تجميع البلاستيك منذ عدة أعوام، وكل ذلك في سبيل الحصول على القليل من الطحين، الذي قد يردع الجوع عنه وعائلته.
"عم قضي حياتي وأنا عم لقوط بلاستيك مشان عيش"، بهذه الكلمات، فضل عمر اختصار الحكاية بكاملها عندما التقيناه في المركز المخصص لشراء البلاستيك، في دوما.
ولا يختلف حال عمر عن حال العديد من أطفال دوما، فأكثر من ثلاث سنوات من عمر الحصار المفروض عليها، أجبره على ممارسة عمل شاق وخطير في جمع البلاستيك، الذي لولا وجوده لتوقفت الحياة في الغوطة الشرقية في ظل غياب الكهرباء والماء عن المدينة حسب تعبيره الطفل.
وبعد تجميع مادة البلاستيك، يشرع بعض رجال المدينة بعملية هامة، لا تخلو بعض خطواتها من الخطورة أحياناً، وهي استخراج البنزين والمازوت والغاز من مادة البلاستيك، عبر إحراقه داخل براميل أوقدت أسفلها نار شديدة.
أبوعدي شاب دوماني كرس حياته من أجل ذلك العمل، يقول بنبرة عنيدة: " اليوم وصل سعر كيلو البلاستيك للـ950 ل.س، ما يقارب الـ3 دولار، هل تريد أن ترى المستحيل؟ هل تعلم ماذا تعني كلمة مستحيل؟ يعني من البلاستيك بدو يطلع بنزين وغاز ومازوت! دخلت مخك هي؟".