مقالات الرأي | ربما في تأسيس حزب الله غاية إيرانية، غاية تستهدف إرساء استطالات للدولة الإيرانية الطائفية في أكثر من دولة عربية، وأينما وجد الشيعة. تحقق الأمر بشكل كبير في العراق، بعد سقوط احتلاله من قبل الأمريكان وتسليم الأخيرين العراق لإيران، وفي لبنان عبر سيطرة مجموعة حسن نصر الله على حزب الله، وهناك محاولات دؤوبة لفرض سيطرتهم على شيعة البحرين والسعودية والزيدية في اليمن، وهذه المحاولات تتمايز وتختلف من بلد لأخر. سوريا لم تكن ضمن القائمة تلك، أولاً لقلةٍ عدديٍّة في الطائفة الشيعية السورية ولمحدودية التشيع ضمن العلويين والاسماعيليين والدروز، ونضيف بأن تشيّع بسيط للغاية حدث كذلك في الطائفة السنيّة، وكل هذا التشيّع كان بسبب الوضع المعيشي المتدهور لهؤلاء المتشيعين، وليس لأسباب متعلقة بصحة العقائد الشيعية وخطأ العقائد الأخرى! عوّضَ نقص الشيعة في سوريا النظام ذاته، فتوحدت رؤية النظامين السوري والإيراني ضد النظام العراقي، وكذلك ضد المقاومة الوطنية في لبنان وتثقيل الدور السوري في المعادلة الإقليمية. في لبنان عُمل لأيرنة شيعته، فالقوى الأخرى الممثلة للشيعة رفضوا ذلك الالتحاق، ولا سيما جماعة أمل، فكان الانقلاب في حزب الله على صبحي الطفيلي، وتشكيل الحزب الحالي، والذي قضى على المقاومة اللبنانية الوطنية، وأكتمل بذلك النظام الطائفي اللبناني، وساهم في ذلك النظام السوري مساهمة كبرى، فهو الحامي لحزب الله في بدايات نشوءه وهو طريق إمداد السلاح والمال وللإيرانيين أنفسهم.
حزب الله خاض غمار المقاومة، ولكنه كان يكرّر أن مرجعيته السياسة نظام ولاية الفقيه، أي أنه ولولا التدخلات الدولية والإقليمية الكبرى كان سيعلن لبنان دولة إيرانية بامتياز، وبالتالي مقاومته تأسست من أجل هذه المرجعية بالتحديد. حسن نصر الله لا يتردد أبداً في ذلك في كثير مما قاله بخصوص هذه النقطة. الأخلاق والمثالية وأنه ليس بتنظيم فاسد، أولاً ليس بصحيح، وثانياً لعب دوراً مركزياً في تشييد الطائفية اللبنانية وتطييف الشعب اللبناني ومحاصرة كل نزوع حداثي ووطني وعلماني، أي أن حزب الله حاصر لبنان قبل أن يدخل إلى سوريا للامعان بقتل أهلها ومن كافة الطوائف، ولكنه فشل هو وإيران في تخليد النظام، وكان فشله سبباً في دخول روسيا.
إسرائيل لم تتوقف عن الاعتداء على لبنان وهي تعتدي يومياً على سوريا، بل وتقصف أهدافا عسكرية لحزب الله ذاته، ولكن هذا الحزب ولأنه إيراني والخطر الأكبر الآن بالنسبة له هو زوال النظام الداعم له وحليف إيران، فإنه يدير ظهره لإسرائيل ويمارس كل أشكال العنف ضد الشعب السوري.
لم يصدق السوريون أن حزب الله آتٍ لقتلهم، فهم من تسابقوا لتأمين احتياجات عائلات هذا الحزب بالذات حينما اعتدت إسرائيل على لبنان 2006، فهل يعقل، وبعد كل ما جرى أن يكون ردّ الجميل قتلاً وتشريداً وحصاراً للعائلات التي أمنت لأسر الحزب كل شيء؟! لا شك أن هناك مبالغات كانت تتحدث عن ممارسات حزب الله، ولكن الحزب تدخل فعلاً في البداية بشكل هامشي وكان كلما ضعف دور جيش النظام يتدخل هو بشكل أكبر وفي نهاية 2011 منع سقوطه مع مليشيات طائفية شيعية مستقدمة من بلاد عديدة بواسطة الأموال الإيرانية، وقد تميز بعدم سرقة المنازل، وهذه تسجل له، ولكن ما فعله في مضايا من إحكامٍ للحصار على أربعين ألف مدني وتجويع الناس وقتل المدنيين، وهم من أهل الزبداني وبقين ومضايا نفسها، فاق بلا أخلاقيته كل فعل لا أخلاقي أخر بزمن الحرب، بما فيه السرقة والاغتصاب وسوى ذلك الكثير.
الأسوأ من الحصار سبب القيام به؛ فالحصار يأتي ضمن خطة إيرانية، تستهدف استبدال ديموغرافي بين أهالي الفوعة وكفريا في محافظة إدلب وبين أهالي الزبداني وربما بلدات محيطة بها، وبما يؤمن لحزب الله أرض متصلة وواسعة في لبنان وسوريا، وهو ما سيمكن إيران من فرض سياسات أقوى حالما تبدأ العملية التفاوضية. حزب الله هنا وعبر إيران يتحول إلى قوى طائفية أصولية كما جبهة النصرة المحاصرة للبلدتين السوريتين كفريا والفوعة، وبالتالي تسقط أوراق المقاومة عنه كليّة. حزب الله في تحوله إلى قوة إيرانية خالصة وبلا تزويق، أي بلا ادعاء بالمقاومة يصبح ممانعاً، أي راغباً بصفقة مع إسرائيل حالما تنتهي الحرب في سوريا، فهو سيكون بأسوأ حال، فأغلبية عناصره بين قتيل ومعطوب ومحطم نفسياً، وتبكيت للضمير – إن بقي منه شيء بكل الأحوال- بما فعله بالسورين الذين حموا عائلاتهم في 2006!.
لم يتكشف لنا حزب الله كحزب إيراني بامتياز من قبل، وطبعاً هناك من قال بذلك، وبكل الأحوال ليست القوى الطائفية في لبنان بأحسن منه حالاً. ولكونه كذلك يمكننا أن نتفهم سبب حصاره لبلدة مضايا والتي يتساوي فيها مع أفعال جبهة النصرة وداعش في حصار وتجويع وقتل كل من لا يواليهم. وأسوأ الأفعال أنه جيّش الكتلة الأكبر من شيعة لبنان وسوريا ودول أخرى في سياق تحويلها إلى أذرع لإيران. حزب الله بذلك يفتك بالبنية الاجتماعية ويؤسسها بنية طائفية، ويحوّل شيعة سوريا والعراق ولبنان إلى كتائب إيرانية مسلحة.
ورغم ذلك نقول: إن مذهب كتلة عربية سيبقى الشيعة، وظروف الحرب السورية ستنتهي وسيحاول السوريون وبقية الشعوب العربية تجاوز هذه الخندقة ومسبباتها، هكذا كان التاريخ وهكذا سيعود.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".