بإستطاعة جميع العاملين في الشأن السوري سواء كانوا على الأرض متعسكرين أم ممن يمسكون بالورقة والقلم انتظاراً للتفاوض. أن يثبتوا وبالبراهين صوابية رأيهم، وبفشل الطرف الآخر، وهذا صحيح، لأن النهايات مفتوحة على كل الاحتمالات، ولا مجال فيها إلا للقول "ربما".
إذا عدنا للسنوات الأولى للثورة السورية، سنجد خطاباً واحداً: لا تفاوض مع النظام ولا حوار قبل رحيل الأسد وحاشيته، وخرجت مظاهرات في جمعة سمتها صفحة الثورة السورية "لا للحوار"، كانت نجمة المظاهرات آنذاك مدينة حماة.
ولكن هل سأل أحد، لماذا كان خطاب المعارضة قوياً، وخاصة إعلامياً، والمزاج الدولي كان إلى جانبه أكثر من الآن؟
لا يمكن لأي متتبع يعمل في الشأن الإعلامي إلا أن يلحظ تأثير وقوة فترة الهيمنة القطرية على القرار المعارض أيام "الحمدين"، ففي حقبتهما فتحت الجامعة العربية أبوابها مراراً لمناقشات اتخذت فيها اجراءات عقابية بحق النظام السوري، وأقيمت مؤتمرات عدة لأصدقاء الشعب السوري، أقيم مؤتمر جنيف الذي ظل مكانك راوح بسبب الخلاف على دور الرئيس السوري، وتم تأسيس المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف الوطني الذي جلس رئيسه في الكرسي المخصص لـ"سوريا" في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الدوحة عام 2013، لتنتهي بعد شهور قليلة الفترة الذهبية والقوية للمعارضة السورية بتسليم حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم لابنه تميم. ويخرج معه وزير خارجيته حمد بن جبر آل ثاني البارع والماكر سياسياً كما يُعرف عنه، لتدخل من بعدهما المعارضة في كواليس رجالات الصف الثاني الذين كانوا يتلقون الأوامر من الحمدين.
ومن ثم لتخرج قطر من الراعي الرسمي إلى راعي وبيت مال لفك أسر من تختطفهم جبهة النصرة في جبال القلمون عبر قناتهم مع حزب الله التي لم تنقطع أبداً.
ونلاحظ أنه منذ عام 2013 إلى الآن، نجد أنها الأكثر ضعفاً للمعارضة السورية "السياسية"، التي شرذمها الانتماء ما بين السعودية وقطر وتركيا، وعلى الرغم من السقف العالي في الخطاب السعودي من قبل إدارته إلا أنه كان لا يفعل شيئاً حقيقياً لحسم الصراع سياسياً إلا بزيادة العتاد العسكري لمجموعات محسوبة عليه، وهذا مرده أيضاً إلى أن اللاعب الروسي كان متشدداً وقوياً حيال بقاء الدولة والمحافظة على مؤسساتها وأهمها الجيش.
فالضعف السياسي للمعارضة انعكس على الأرض في سيطرة الكتائب المسلحة وداعش على أجزاء كبيرة من سوريا، وخروج خطابها المعارض من الرعاية القطرية للإعلام، ليخرج غير منمق وشفاف للغاية وكان عنوانه: "سوريا تحت خطر الجهادين".
على الرغم من محاولات الكثيرين لتجميل الواقع والقفز عليه بتلميع جهات عسكرية دون غيرها على اعتبار أنها تنتمي للجيش الحر الذي تم القضاء على فكرته والكثير من ألويته بفعل التمويل الخليجي المؤدلج.
فاختفت رايات الثورة السورية، ليقف المعارضون السوريون أمام مشهد الرايات السوداء والخطاب الإقصائي ليس فقط للطوائف بل أيضاً لكل فكر علماني، فأصبحت العلمانية جريمة يستحق معتنقها الذبح.
وفي ظل هذا التخبط في المشهد السوريالي السوري كان خطاب المعارضة متشرذماً غير موحداً.
وكان من الطبيعي أن تخرج مجموعات معارضة سياسية تقبل الحوار مع النظام وفق شروط متفق عليها دولياً من أجل خلاص سوريا، وبالمقابل ظلت المجموعات المعارضة المحسوبة على خط: السعودية ـ تركيا ـ قطر في ذات النهج "لا حوار" قبل رحيل الأسد، إلى أن حدث التوافق الأمريكي ـ الروسي بخصوص حل النزاع في سوريا سلمياً.
مما استدعى السعودية أن تأخذ موقفاً مشابهاً في دعوتها لإجتماع معارض وتشكيل وفد معارض، ولنجد الكثير من أسماء كانت راديكالية في رفض الحوار، استبسلت للوصول إلى وفد المعارضة التفاوضي مع النظام وليترأس الوفد في مشهد لا يحدث إلا في الأفلام الهندية: رئيس الوزراء السابق للنظام سيحاور النظام.
ولتعود المعارضة بعد حوالي ثلاث سنوات من تاريخ إنعقاد جنيف واحد إليه، وتوافق على حكومة انتقالية وانتخابات رئاسية لاحقة، وهكذا ضاعت تلك السنوات وليجد السوري نفسه عارياً أمام حقيقة مرة أن قرار مصيره لم يكن سورياً يوماً وأن اللعب به مارسته جميع الدول، وأن كل ما جناه هو مدن مدمرة وشعب مقسم ومقسوم بين لقمة العيش والبحث عن مكان آمن تحت سماء هادئة لا طيران فيها ولا مدافع.
قد تحمل هذه السنة انفراجات كبيرة في المشهد السوري على صعيد تقاسم الكعكة، ولكن هل خرج السوريون من أجل هذه النهاية الدراماتكية للأرض والإنسان.
أسئلة لن يجيب عنها أحد في ظل هذا التشرذم والتخندق والتحزب لدول ومجموعات.
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".