أثارت تصريحات الملياردير الأميركي دونالد ترامب المرشح الرئاسي حول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة موجة عارمة من الغضب والاستنكار.
وبداية من الولايات المتحدة ذاتها حيث اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون أن تصريحات ترامب "خطيرة"، إلى البيت الأبيض الذي استنكر المتحدث باسمه هذه التصريحات، وامتد الاستنكار ليشمل الوسط السياسي والاقتصادي وحتى الفني في الولايات المتحدة.
وسرعان ما اتسعت مروحة التضامن مع الإسلام والمسلمين حول العالم فعبر ملك الفيس بوك مارك زوكربيرج اليهودي الأصل عن تضامنه مع المسلمين في رسالة وجهها لهم قائلاً: "أضم صوتي إلى الأصوات الداعمة للمسلمين في مجتمعنا وحول العالم. بعد هجمات باريس ورسائل الكراهية هذا الأسبوع لا يسعني سوى أن أتخيل مقدار الخوف الذي يعيشه المسلمون بسبب إمكانية اضطهادهم نتيجة أفعال ارتكبها الآخرون"، مشيراً إلى أنه كمسؤول عن فيس بوك "سيقاتل" كي تبقى هذه المنصة آمنة ومسالمة للمسلمين حول العالم.
فيما أصدر المدير التنفيذي لغوغل ساندر بيتشاي الهندي الأصل والذي تعد كتاباته من بين الأكثر قراءة على غوغل، رسالة تضامنية الى العالم أجمع والأميركيين قائلاً: "إن الانفتاح المعرفي والتسامح واستقبال الأفراد الجدد تعد من أهم عناصر القوة في المجتمع الأميركي"، مشدداً على دعم المسلمين والأقليات الأخرى في أميركا.
ولا شك بأن المخاوف والهواجس ذاتها يعيشها المجتمع الأوروبي، ففي فرنسا على سبيل المثال تمخضت الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية عن فوز اليمين بأغلبية لا يعتد بها حيث حصل حزب اليمين المتطرف على نسبة 28% فيما حصل اليمين المعتدل واليسار على نسب متقاربة، علماً أن نصف الفرنسيين امتنعوا عن التصويت فيما يعكس ترقباً حذراً في المشهد السياسي بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد منذ هجمات باريس في الجمعة الأسود مساء الثالث عشر من تشرين الثاني نوفمبر الفائت.
في فرنسا ذاتها أكد الرئيس الفرنسي عقب الهجمات أنه سيرفع عدد اللاجئين المزمع استضافتهم على أراضيها إلى ثلاثين ألفاً، ورغم تصريحات اليمين المتطرف المطالبة بإغلاق المساجد في البلاد فإن دعوات كهذه لم تلق صدى يذكر، فقد استمرت الإدارة الفرنسية في خططها الخاصة باستقبال القادمين الجدد ومنحهم حقوق المقيم الفرنسي الكاملة دون أي تمييز.
وبعيداً عن السياسة كان هنالك الكثير من المبادرات الفردية التي حاولت محاكاة الموقف بطريقة مختلفة لإعادة عقلة الموقف، ففي هولندا قرأ شابان في الشارع عبارات من كتاب قالا إنه القرآن، العبارات كانت صامدة جداً لهم بما حملته من تمييز ضد المرأة وحض على العنف، لكن الصدمة الأكبر كانت حين أزال الشابان الغلاف ليتضح أن الكتاب الذي تتم القراءة منه هو الانجيل!
في أميركا وقف شاب سوري لاجئ معصوب العينين ووضع أمامه لافتة كتب عليها أنا مسلم طالبا ضمة من المارة، فكان أن غمره الآلاف من الأميركيين من أصول مختلفة بكل حب.
التضامن الإنساني الذي شهدناه مع السوريين منذ خمس سنوات كان عالمياً، وكان طبيعياً أن نكون أول من يتضامن مع ضحايا هجمات باريس فنحن نواجه العدو ذاته ونموت بسكينه منذ سنوات ونحن من عرف حقاً معنى الفقد ومرارة المجزرة.
العقلاء في المجتمع الغربي يعون تماماً أن اضطهاد أي فرد أو مجموعة هو حرمان للعالم أجمع من قدراتهم، ويدركون جيداً أن الدول الغربية لم تصل إلى ما وصلت إليه من قوة سوى باحترامها لحقوق الجماعات والأفراد ودفاعها عن هذه الحقوق.
يحدث أحياناً أن نتحدث عن الصراع في سوريا والذي أريد له أن يأخذ منحى طائفياً، يذكِّر ذلك الفرنسيين بصراعات العصور الوسطى بين الطوائف المسيحية ذاتها هنا وسيطرة الكنيسة من بعدها وقيم التمييز والعبودية، هم يعرفون تماماً عما نتحدث، ويعملون تماماً أن الثورة ضد التبعية والعنصرية والديكتاتورية كانت الحل.
الثورة الفرنسية كانت أيضا مسلحة، رغم أن أبرز وجوهها كانوا مفكرين وفلاسفة وكتاباً، لكن ذلك لم يفقدهم ايمانهم بالعلم والقانون والأخلاق، نتشارك مع هذا العالم اليوم مخاوفه وهواجسه وإنسانيته أيضاً.
نستطيع أن ننظر إلى الحقد فنرد عليه ونقود العالم نحو الدمار، ونستطيع أيضاً أن نتطلع إلى التضامن ونضع يدنا في أيدي الإنسانية لنستطيع إنقاذ هذا الكوكب الصغير.
نستطيع أن نقرأ الكتب المقدسة بعين العالم المتبصر فنستخلص منها ما يحيي، ونستطيع أن نقرأها بعين الجاهل فتقودنا إلى الموت.
ولنا الخيار..
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".