الخط العسكري في سوريا "بزنس جديد.. اللي بيدفع بيمرق"

خط عسكري بدمشق
خط عسكري بدمشق

سياسي | 26 ديسمبر 2015 | منار حداد

تقسم الجدران الإسمنتية بعض شوارع العاصمة دمشق، إلى قسمين، قبل الوصول إلى الحواجز التابعة لقوات النظام السوري، يكتظُ القسم اليميني من كل شارع بالسيارات، أما اليساري، فيبدو سالكاً دون ازدحام، لا تتجاوز مدة الوقوف عليه ثوانٍ معدودة، فهو "الخط العسكري"، وغير مخصص إلا لأصحاب البدلات المموّهة، ومن لف لفّهم.

تقول "فاتن 21 عاماً"، التي تدرس في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، إنها تضطر للخروج كل يوم في السادسة صباحاً من منزلها بمنطقة التضامن، لتصل إلى جامعتها، نتيجة كثرة الحواجز والإنتظار الكبير على الخطوط المدنية.
استمرار ضرب النفوذ الإيراني في سوريا… ما علاقة الإمارات؟

هي معاناة أخرى يعيشها السوريون يومياً على الحواجز العسكرية، التي تقسم إلى حواجز دائمة ومؤقتة وطيّارة، حيث بلغ عدد نقاط التفتيش ضمن مدينة دمشق، أكثر من 300 نقطة، تغطي شوارع العاصمة من جميع النواحي، يضاف إليها حواجز كثيفة تحيط بالمدينة، ولا سيما على الاوتستراد الدولي من جهة حرستا، وقرب الغوطة الشرقية المحاصرة.

مأساة يومية

تعتبر الحالات الطارئة في الحروب، السبب الرئيسي لوجود الخطوط العسكرية في الشوارع، غير أن الأمر مختلف تماماً في سوريا.

تؤكد منال التي تعمل مدّرسة لغة فرنسية بدمشق، إنها لجأت لإسعاف زوجها بعد إصابته بقذيفة هاون في الميسات، فاضطرت للمرور عبر الحاجز هناك، إلا أن الازدحام الكبير على الخط المدني، دفعها لاستخدام الخط العسكري لإنقاذ حياته، لكن، الحاجز منعها من ذلك وطلب من سيارة الأجرة التي كانت تسعف زوجها، إلى مشفى الطلياني، الابتعاد والعودة للخط المدني.

هذا القرار في لحظة عصيبة، أجبر الأطباء في المشفى على إضافة ليترين من الدم لإنعاش الرجل المصاب، نتيجة نزفه كميات كبيرة من الدماء، بسبب تأخره عن العلاج.

تتساءل منال: "بما أنها خطوط مخصصة للحالات الطارئة، لماذا منعوني من المرور؟ في حين يسمحون لمرور سيارات المسؤولين والسرافيس، التي على علاقة طيبة مع الحواجز".

علاقات وهويات ملوّنة!

في سوريا يمكن استخدام الطريق العسكري، لمن يدفع الأموال، إضافة لسائقي السرافيس والموظفين المدنيين الذين يملكون علاقاتٍ طيبة مع عناصر الحواجز.

موسكو تغزو أطفال سوريا عسكريًا


على حاجز "شارع الثورة" وسط العاصمة، اتجهت سيارة سوداء مفيّمة إلى الخط العسكري، أبرز سائقها هوية صفراء اللون، فسارع العنصر على الحاجز، ليسمح له بالمرور دون النظر إلى معلومات الهوية، وتشير البطاقات الصفراء إلى أن حاملها لديه صفة أمنية رفيعة، بينما تعتبر الهوية الخضراء "العادية" للمدنيين، فحاملها مضطر للوقوف على طوابير الازدحام.

تلك الأمور، دفعت بعض المواطنين لصرف مبالغ مالية بغية الحصول على هويات أمنية، تتبع لأي فرع لقاء تفاديهم المشاكل، التي تقع على رأس المدنيين خلال وقوفهم على الحواجز.

يقول مواطن سوري مقيم بالعاصمة، إنه لجأ إلى "الرشوة"، للحصول على بطاق تابعة لفرع الأمن العسكري، حيث يتم تجديدها سنوياً، ويدفع المبلغ ذاته "60 ألف ليرة" لقاء كل تجديد، معبّراً عن ارتياحه خلال حملها بشوارع العاصمة، لأنها تقيه الكثير من المشاكل.

اللي بيدفع بيمرق

إضافة إلى المواقف "المهينة" التي يتعرض لها السوريون، أثناء انتظارهم للتفتيش، تلجأ بعض الحواجز لتقاضي أموال من المواطنين، الذين يسعون إلى تفادي الوقوف على طابور السيارات المدنية لمدة قد تصل إلى 45 دقيقة، في بعض الأحيان. 

وهو ما حصل مع "وائل"، حيث يبيّن أنه كان على عجلة خلال توجهه لامتحانٍ جامعي، فأخبره سائق سيارة الأجرة أنه بإمكانه العبور على الخط العسكري في حاجز "العباسيين"، سيء الصيت، واختصار الوقت، مقابل دفع 300 ليرة، فلم يكن أمام الشاب إلا أن دفع المبلغ، وتمكن من المرور بكل أمان.

ازدحام خانق

"تواجد الخطوط العسكرية على الحواجز ليس له أي مبرر، لأنها لا تخدم أهدافاً عسكريةً أو طارئة كونها مخصصة لمن يحملون بطاقاتٍ أمنية، ومن يملكون علاقاتٍ طيبة مع الحواجز"، يوضح يحيى، الذي يعمل موظفاً حكومياً في مؤسسة تابعة لحكومة النظام.

يشخص كلام يحيى أن وضع هذه الحواجز، من شأنه شل حركة المواطنين ضمن العاصمة المزدحمة دائماً، ومن ناحية أخرى، فإنها تفسح مزيداً من الوقت أمام الحواجز لتفتيش الخطوط المدنية، وهو ما ينعكس سلباً على المدنيين.

وصحيح أن الخط العسكري ليس الوحيد الذي يتم استخدامه من قبل النظام بشكل تعسفي، إلا أنه لا يمكن نسيان معاناة السوريين اليومية على الحواجز، بأشكال مختلفة، ومن ضمنها هذا الخط.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق