في أخطر مدينة بالعالم، تتعدد أنواع الموت، قصفاً، قنصاً، وتحت التعذيب، مخاطر تلاحق معظم سكان حلب، الذين يتمسكون بالبقاء فيها، رغم المتغيرات القاتلة.
الخطر يلاحق الجميع، وصل إلى كل تفاصيل الحياة، حتى المهن والأعمال، لكل واحدة منها مخاطر، ولجميعها تصنيف على سُلّم التهديد، فما هي المهن الأكثر خطراً في حلب؟
الموت يحيط بعدسة التصوير!
العمل الإعلامي، من أخطر تلك المهن في عاصمة الشمال السوري، إذ يتعرض الصحفيون لمواجهة الموت، والإصابات، بشكل دائم، بحكم تواجدهم في مناطق القصف، والاشتباكات، لتغطيتها، ونقل الصور.
"لا يوجد من يهتم جدياً بسلامة الصحفيين السوريين، سواء من الخارج أو الفصائل الفاعلة على الأرض، وما يدفع الصحفيين السوريين للاستمرار هو إيمانهم بقضيتهم"، يقول حسام قطان، أحد المصورين العاملين في حلب.
حسام تعرض لإصابة أثناء تغطية الاشتباكات في منطقة الشيخ سعيد في أيار 2015، لم تمنعه من حمل الكاميرا، وانضم إلى قائمة من زملائه الذين أصيبوا، خلال اشتباكات بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة، كزين الرفاعي مصور الوكالة الفرنسية للأنباء، الحائز على جائزة "أفضل مصور مستقل" البريطانية، مؤخراً.
ولم تقف المعانة هنا، بل شهدت ساحات حلب، مقتل العديد من العاملين بمجال التصوير، كجمعة الأحمد مصور وكالة شهبا برس، الذي قتل في قصف على قرية حيان بريف حلب، وصالح ليلى، مصور وكالة الأناضول، الذي قضى في تشرين الثاني 2015، خلال تفجير لتنظيم داعش.
ليس القصف هو الخطر الوحيد!
مصورو حلب، لا يواجهون التفجيرات والرصاص فقط، بل يحيط بهم خطر المتطرفين، والمتشددين، كما أنهم ذاقوا الويلات، من تنظيم داعش، قبل انسحابه من حلب نهاية العام الماضي.
وكان لداعش الحصة الأكبر، حيث اعتقل خلال فترة سيطرته على أحياء شرقي حلب، أكثر من 30 صحفياً ومصوراً، بعضهم استطاع الخروج، وكُثر، ظلوا مجهولي المصير، على رأسهم عبد الوهاب الملا، الذي كان يعمل لقناة حلب اليوم.
وثمة أيضاً، بعض الفصائل المتشددة، التي تضيق على المصورين، مثل الذي جرى مع المصور فادي، حين ذهب ليصور لحظات ما بعد انفجار برميل في أحد أحياء حلب، ويساعد المصابين.
وحول ذلك، يوضح الشاب: "عندما وصلت فرق الإنقاذ بدأت أوثق بكاميرتي وظهرت امرأة وراء الأطفال الذين أصورهم، فهاجمني أحد المسلحين الذي كان يطالبني مسبقاً بالمغادرة، وأخذ كاميرتي وكسرها وقام من معه بالاعتداء علي بالضرب".
الخوذ البيضاء والمسعفون في خطر!
لا يقل عمل متطوعي الدفاع المدني، خطورة عن العمل الإعلامي، إذ يتطلب عملهم التوجه الفوري إلى مناطق القصف، والتي تكون غالباً عرضة للاستهداف مرة أخرى، من قبل قوات النظام.
ويشكل تجمع الناس بالمبنى المقصوف، أثناء إخلاء الدفاع المدني للجرحى والجثث، خطراً إضافياً، فقد يتسبب التجمع، بانهيارات جديدة تهدد حياة عناصر الدفاع، والمصابين العالقين تحت الأنقاض، على حد سواء.
محمد فرج، أحد عناصر الدفاع المدني في حلب، أصيب في قصف متكرر، بعدما كان يعمل على إخلاء المصابين، "قذفني البرميل إلى الشارع الآخر، وعندما عدت إلى مكان العمل، وجدت ثلاثة من رفاقي قد فارقوا الحياة"، يؤكد فرج.
ولا يقتصر الخطر، على أصحاب الخوذ البيضاء، بل أيضاً، يطال المسعفين المرافقين لهم، كما أن طواقم الإسعاف، تواجه عدة مخاطر، عند نقل المصابين من حلب، إلى المشافي الحدودية، وخاصة من طريق الكاستيلو، شريان المدينة.
يقول سعد أحد عناصر الإسعاف في حلب: "أكثر أماكن عملنا خطورة، هو طريق الكاستيلو الذي يستهدفه الطيران بالرشاشات الثقيلة، ويتوجب علينا إسعاف المصابين فوراً، ما يعرضنا لنيران هذه الرشاشات أيضاً خاصة في الليل".
خطر الموت.. ليس من التوتر العالي!
"أوقفنا كثيراً من عمليات الإصلاح في مناطق الاشتباكات، نتيجة استهدافنا بطلقات قناص، رغم تعهد الهلال الأحمر بعدم تعرض طرفي الصراع للورشة"، يقول أبو العز، أحد العمال بورشات صيانة الكهرباء في حلب.
حال أبو العز، وأقرانه في المهنة، يؤكد أن التوتر العالي والكابلات المكشوفة، لم تعد أكبر الأخطار التي يواجهها عمال صيانة الكهرباء، فإصلاح الكابلات المعلقة على الأعمدة العالية، يعرضهم لخطر القنص، من قبل قوات النظام السوري، التي ترصد معظم مناطق حلب.
وإضافة إلى ذلك، تقوم تلك الورشات بإصلاح الأعطال الناجمة عن الاشتباكات على خطوط الجبهات، ما أدى الى إصابة ومقتل العشرات من عمالها.
وقامت قوات النظام باعتقال وتصفية ورشة عبد السميع عفش، إثناء قيامه بإصلاح أحد الأبراج المتضررة في منطقة حندرات، في تشرين الأول 2014.
طرقات الموت!
المرور عبر خطوط الاشتباكات و ما يرافقه من تهديدات، واقع يعيشه سائقو النقل العام، الذين يعملون بين مختلف مناطق حلب وريفها، والتي يتقاسم السيطرة عليها، كل من تنظيم داعش والمعارضة المسلحة، والنظام السوري.
تتعرض السيارات مراراً، لرشقات عشوائية، نتيجة حدوث اشتباكات على الطرق الفاصلة بين هذه المناطق.
وتحمل المخاطر في طياتها، مضايقات كثيرة، وخاصة من حواجز تنظيم داعش، الذين يحملون سائقي الباصات، مسؤولية إلزام النساء بـ"اللباس الشرعي"، وقد يتعرض السائق للإعتقال، اذا نقل امرأة غير ملتزمة باللباس الذي يريده داعش!
"وبخني أحد عناصر التنظيم عندما شاهد في السيارة، امرأة لا تضع النقاب، ونعتني بالديوث، وإني لا أخاف الله، ولم أجرؤ على الرد طبعاً"، يتحدث أبو محمد، أحد السائقين العاملين على خط حلب منبج.
وبحسب السائق أبو سعد، الذي يعمل على خطب حلب- الباب، فإن التحدث الى حاملي السلاح في مختلف المناطق، قد يعرض حياة السائقين لخطر اًيضاً.
وحول ذلك يوضح: "إذا تحدثت إلى أحد عناصر الجيش الحر وعلم التنظيم، بذلك من أحد السائقين، فسأتهم بالعمالة واعتقل من قبلهم، والعكس صحيح أحياناً، واعتقل التنظيم عدداً من زملائي لهذا السبب".