رؤية الجولاني مناقضة للسياسة

رؤية الجولاني مناقضة للسياسة
القصص | 19 ديسمبر 2015

مقالات الرأي | كان مأمولاً من الجولاني أن يفهم أن دور القاعدة في سوريا انتهى. التسريبات تقول أن اللقاء الصحفي الذي أجراه كان سابقاً لمؤتمر الرياض ولكنه بُثّ بعد انعقاد المؤتمر، ولحثه على إعلان التخلي عن تنظيم القاعدة والانضمام إلى القوى السياسية السورية والتحوّل إلى حركة سورية "وطنية" بمرجعية إسلامية. لم يفهم ذلك، وبالحقيقة لم يُقدِمْ الجولاني أية إشاراتٍ أنّه سيفهم، وكرّر أنه ينطلق من ثوابت شرعية، أي من رؤية تنظيم القاعدة بقيادة الظواهري. من رغب بإعطاء جبهة النصرة دوراً وطنياً هم تيار واهمٌ في المعارضة السورية، يلمعون صورة هذا التنظيم بشكل دائم، وكذلك قناة الجزيرة، التي أجرت معه مقابلتين طويلتين سابقاً، وشاركت بالمقابلة الأخيرة.

عدم بث قناة الجزيرة لمقابلة الجولاني، يكشف تغيراً ما في العلاقة بين النصرة وبين قطر، وربما هناك ضغط أمريكي للخلاص من هذه العلاقة سيما أن النصرة موضوعة على قوائم الإرهاب بقرار من مجلس الأمن وستوضع في القائمة الأردنية للتنظيمات الإرهابية في سوريا كذلك، ولم تغيّر أبداً من رؤيتها الجهادية.

كَفّر الجولاني الجيش الحر ولم يعترف بوجوده، واعتبر مؤتمر الرياض مؤامرة على تنظيمه، والحقيقة أن الدول المشوهة للثورة عملت من أجل الإجهاز على الحر ودعمت النصرة والتنظيمات الأصولية الطائفية.. الجولاني لم يعترف بالثورة ولا بالمعارضة، بل ولا بالشعب نفسه؛ فقد كان في السنوات التالية لانطلاق الثورة، وهو لم يكن له أي دور في إطلاقها، يوطد انتشار جبهته ليلعن إمارته بكل وضوح. 

فقط أعاقه داعش عن إعلان ذلك بشكل مبكر! 

تنظيم النصرة، وعكس الشائع لدى تيار في المعارضة السورية، أُرسل "وخُلق في" إلى سوريا لتخريب الثورة، ووظيفته خلق رأي عام عالمي ومحلي رافض لها، وهذا ما خدم النظام بشكل مباشر، أي أن المعارضة السورية ولا سيما المجلس الوطني والائتلاف الوطني لاحقاً ساندوا النظام في هذه النقطة.

المتابعون لمجريات فيينا، ولاعتراضات روسيا على التمثيل الناقص للمعارضة في الرياض ولديها قوائمها الخاصة عن التنظيمات الإرهابية، يرون أن الجولاني بمقابلته الرافضة للمؤتمر وللحل السياسي أرسل هدية ثمينة لبوتين، ولو دفع  الأخير مالاً كثيراً لما حصل على هكذا مقابلة!. الحقيقة إن العقلية الجهادية ترفض كل ما ينتمي للحداثة وللآخر وتسعى لإقامة الإمارة أو الخلافة وهذه الرؤية هي السبب في موقف الجولاني الخاطئ لكل ما يخص الشأن السوري وهي حالة كل الجهاديات وليست مقتصرة على النصرة.

هدّد الجولاني التنظيمات العسكرية التي شاركت بمؤتمر الرياض، وإن إعلان الحرب عليها سابق لأوانه برأيه. فالتنظيمات هذه وتحديداً جيش الإسلام وأحرار الشام، معنية بقطع كافة الصلات مع النصرة وكافة التنظيمات الجهادية الصغيرة، وطبعاً لا يوجد رابط بينها وبين داعش، فالأخير قَتلَ وصفى وكفّر كافة القوى الجهادية والإسلامية التي لم تعلن البيعة للخليفة البغدادي. تهديدات الجولاني قد تتحوّل إلى حرب ضد هذه القوى، وقد لا تصبح كذلك، وهذا مرتبط بتصاعد العملية السياسية. وكلما تأخرت، وبسبب الموقف الروسي والإيراني، فإن الكثير من أنصار هذه الحركات سينتقل إلى النصرة أو داعش كذلك، والعكس صحيح. 

التوقعات تقول إن العملية السياسة مستمرة، والاعتراضات الروسية سيتم تجاوزها بالتفاوض المباشر والخفي بين الروس والأمريكان، ووفد المعارضة سيشمل الأفراد الذي تريدهم روسيا وسيكون ذلك عبر ديمستورا، فهو سيضع أسماء جديدة كصالح مسلم وهيثم مناع وقدري جميل مثلاً، وبالتالي سيكون هناك تمثيل سياسي كبير للمعارضة. هذه الخطوة ستحاصر الروس، ولكنها كذلك ستسمح لهم بإدخال أفراد في الوفد المفاوض باسم المعارضة وهم أقرب للموقف الروسي وللنظام، وهذا ما سيشكل مشكلة أثناء المفاوضات لاحقاً.

بكل الأحوال، يشكل التصعيد الأخير بين أمريكا وإيران، ولا سيما في العراق وفي سوريا، والكلام عن إرسال جنود أمريكان إلى هاتين الدولتين، سبباً لتغيّر جزئي في السياسة الأمريكية، وبالتالي سيتم وضع حزب الله والمليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وهذا الموقف سيشكل تحذيراً أمريكيا لروسيا أن لا إمكانية لحرب مفتوحة في سوريا، وأن العملية السياسية ستبدأ؛ فالحلف المشكل من روسيا وإيران والنظام السوري والعراق لن يكتب له أي نجاح، حيث أن أمريكا تريد العراق لها، وستتسامح مع روسيا بالهيمنة على سوريا. هذه النقطة هي وراء الحوارات المستمرة بين أمريكا وروسيا وهي نتاج السياسات الإيرانية الرافضة للخروج من العراق وكذلك نتاج السياسات الروسية الراغبة في إخراج كافة الدول الإقليمية والعالمية من سوريا ومحاولتها لتشكيل الحلف الرباعي المذكور أعلاه بديلاً عنها. 

من مصلحة روسيا رفض الجولاني لمؤتمر الرياض، كما أن من مصلحة الجولاني رفض روسيا والنظام لمؤتمر الرياض؛ هذه السياسة كانت ناجعة من قبل حينما لم تتوافر إرادة دولية لإنهاء الصراع في سوريا، وحينما كان الخطر أقل على النظام الإقليمي والعالمي برمته، الآن الخطر تصاعد، والثورة تمّ تصفية أغلبية كوادرها وأهدافها، وأصبحت قضية حل الصراع السوري قضية إقليمية وعالمية، وبالتالي أصبح الحل في سوريا ممكناً.

 كان على الجولاني أن يقرأ السياسة جيداً، ولكن الحقيقة أنّه لا يفهم بالسياسة الحديثة أبداً، وبالتالي تمّ توريطه للقيام بتخريب الثورة السورية كما فعل تنظيم القاعدة في العراق حينما خرب المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي، وهو ما يفعله بكل الأحوال داعش الآن. إن هذه التنظيمات سهلت إعادة السيطرة على سوريا والعراق وربما سيكون هناك تغيير في كامل دول المنطقة كذلك بسبب داعش هذا؛ فطائرات الدول العظمى تقصف الآن في سوريا والعراق وستقصف في ليبيا وربما اليمن وربما دولاً أخرى.

لعبة الجهاديات ستستمر ما دامت الدول العظمى لم تحقق مصالحها بعد، وستتراجع حالما يحصل توافق بينها. في سوريا والعراق أعتقد أن أوان تجفيف هذه المنظمات قد حان، وهذا سيضع نهاية للأنظمة التي ساهمت بخلقها كما النظام السوري والعراقي. 

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق