أمراء "المعارضات" السياسية في الرياض

أمراء "المعارضات" السياسية في الرياض
القصص | 19 ديسمبر 2015

هارباً من شظايا برميل سقط أو صاروخ انفجر، كان الشيخ المسن في سوق أريحا يجمع أشلاء أبناءه الثلاثة قطعة قطعة، كمن يحصد قمح حقلٍ، طالت عليه الأشهر والسنون حتى جفّ ويبس وغدا رماداً، غدت الحياة في سوريا. مشاهد الحرب اليومية هنا ليست إلا تكثيفاً متكرراً لاستعصاء دخلته البلاد. ليس جديداً مع اندلاع الثورة وإنما هو الاستعصاء الذي يحياه السوريون منذ عقود طويلة لحكم البعث والأسد ومؤخراً أمراء الحرب والسياسة المجتمعين في الرياض.

ماذا سنتوقع نحن الذين لا هوية بقيت لدينا ولا وطن؟ ماذا سيتوقع ذلك الطفل الذي ربى في شوارع ليس فيها سوى الركام وألعابٍ من عبوات القنابل الفارغة وحديد الرصاص؟ ماذا سنقول لأصدقاء وأحباب لا ندري عنهم خلف جدران الزنازين وجهنم أفرع الأمن سوى أنّ أجسادهم هناك، إن كان للجسد من بقية في جوع وبردٍ لا يطاق؟!. 

ماذا سيتوقع السوريون من "أهل الحل والعقد"، و"أولي العزم والأمر" الذين يجتمعون الآن في الرياض؟. ماذا سيكون من أمر شخوصٍ وأفرادٍ وحتى جهات لم يصح عليها سوى قول "معارضات"، كما نعتها بشار الجعفري متحذلق نظام الأسد في المحافل الدولية ذات مرة في موسكو. هذه المعارضة التي ارتضت وقبلت أي دعوة وأي مؤتمر وأي جلسة حوارية تنظمها أي دولة في العالم حتى "أذربيجان"، كثير من السوريين لم يسمعوا بدولة تدعى كذلك حتى مؤخراً، و يالها من سخرية. في المقابل فشلت هذه "المعارضات" بعقد ندوة حوارية على الأقل في مدينة سورية واحدة "محررة" كإدلب أو الرقة - قبل أن تسيطر عليها داعش ذات مرة.

هذه "المعارضات" لم تفشل في تشكيل موقف موحد لها وفقط، إنها فشلت في أن يكون لها موقف أساساً. إنهم مجرد "أمراء وأميرات" في الفنادق والمحافل الدولية ولهم كما يقول المثل: في كل عرس، قرص. ليس مستغرباً أن ترى عتاة المعارضة العلمانية و هي تكيل الرجاء لجبهة النصرة علّها تخفف من غلوائها تاركة القاعدة و عائدة إلى "حضن الوطن" . كما ليس مستغرباً أن تقرأ لعناصر حركة أحرار الشام الإسلامية، الذين رفعوا ذات مرة لافتة تقول "السني للشهادة والعلوي للإبادة"، أن تقرأ إرهاصات نصٍ عن المنطلقات الفكرية للمجتمع المدني والمدنية في فكر أحرار الشام الإسلامية. 

هذه السخرية واللاجدوى التي نعيشها، ليست إلا تعبيراً واضحاً عن الارتهان الذي تحيى فيه هذه "المعارضات" السياسية كانت أو العسكرية من تبعية وولاء للمال الذي يتدفق تارةً لهنا وتارةً لهناك، مرةً يروج لإقامة دولة الإسلام ومرة لسوريا الفسيفساء والطوائف. ليس من جدوى لمؤتمر الرياض ولا لغيره في توحيد المعارضة أو حتى تشكيل معارضة واحدة من جديد، ما دام القائم على أمر السياسة لا معنى له منها سوى ما تغدقه عليه من مال وثروة. 

السوري هناك تحت البراميل أو الصواريخ الفراغية، أو هناك بين أموج بحر إيجة وغابات البلقان فاراً من جحيم الحياة، لا شأن له بالرياض أو سواها، شأنه أن يلملم أشلاء أولاده من تحت عربات الخضار في الأسواق، وبعضاً من لقيمات وكسرات خبز تملأ جوف المعدة التي انهكها الحصار والتجويع. 

السوري ليس له سوى أن يتوقف كل هذا الجنون وهذه السخرية التي تجعل مال السياسة يخلق السياسة لا العكس. 

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق