أصبحت الجامعة عند ريم، مجرد ذكرى، فلم تعد قادرة على متابعة تحصيلها العلمي، في السنة الثالثة بكلية الآداب ضمن مدينة حلب، والسبب، قوانين تنظيم داعش.
14 سنة من دراسة ريم ابنة جرابلس، يمحوها التنظيم، الذي يسيطر على المدينة الواقعة شمالي سوريا، فذهاب الفتاة إلى جامعتها، أصبح شبه مستحيل، بعد قرارات داعش، بمنع الفتيات والشباب، دون الـ40 عاماً، من السفر إلى مناطق النظام السوري، دون موافقة من قبل "الدولة الإسلامية".
وطبعاً، لا تُمنح تلك الموافقة للأهالي، إلا في حالات نادرة، كإجراء عملٍ جراحي، أو معالجة طبية، لا تتوفر إلا بمناطق النظام. حتى هذه الحالات، غير ضامنة لخروج النساء.
حلول بديلة صعبة
"معظم زميلاتي لم يعدن قادرات على متابعة تعليمهن، لكنَّ النسبة الكبرى كانت في مناطقنا، مناطق التنظيم، نتيجة الفرمانات التي أصدرها"، تقول ريم لروزنة.
وبحسب الفتاة، فإن متابعة التعليم، لم تتوفر إلا لعدد قليل من الطالبات الجامعيات في جرابلس، ممن يملك أهاليهن بيوتاً في مناطق سيطرة النظام السوري، وبعضهن، أقمن عند أقاربهن، وأخريات، استأجرن سكناً جماعياً لهن وقت الامتحان، في حلب، بعدما استطعن الخروج من مناطق داعش، ولكنّهن "لم يعرفن من حقيقة أجواء الجامعة سوى الامتحان"، تضيف ريم.
الطريق الطويل!
في ظل هذا المسح لحقوق المرأة، من قبل تنظيم داعش، وجد بعض الأهالي في مناطق سيطرته بسوريا، وسيلة لمساعدة بناتهم، على متابعة الدراسة.
يقول أبو مهند من الباب بريف حلب:" أضطر للذهاب مع ابنتي لمناطق سيطرة الجيش الحر في حلب، ومنها إلى مناطق النظام، حيث يصعب بل يكاد يكون مستحيلاً سفر الفتيات لمناطق سيطرة النظام بحلب".
ولم يكن يمنع تنظيم "الدولة الإسلامية" النساء، مهما كانت أعمارهن، من السفر لمناطق سيطرة المعارضة أو الفصائل الإسلامية، إذ لا يشترط عليهن سوى وجود محرم، لكن حالياً، يشدد على الأمر أكثر من ذي قبل!
عوائق اقتصادية
إضافةً إلى قوانين داعش، يلعب العامل الاقتصادي، دوراً رئيساً في منع شريحة كبيرة من متابعة الدراسة، فكثير من الأسر السورية، لم تعد قادرة على تأمين رغيف الخبز، فكيف بمصاريف الجامعة!
يقول أبو قاسم والد أحد الطالبات من جرابلس:" بداية الثورة كانت تكلفة النقل من جرابلس لحلب ما يقارب 500 ليرة ذهاباً ومثلها إياباً، لكن بعد إغلاق النظام لمعبر بستان القصر والتحول لطريق خناصر العسكري، أصبح يكلف آلافاً ذهاباً ومثلها عند العودة، إضافة للمخاطر الأمنية، واشترط التنظيم وجود محرم لاحقاً".
وقبل أن يمنع داعش سفر النساء، بلغت تكلفة الطريق للفتاة مع المحرم، ما يقارب عشرة آلاف ذهاباً ومثلها إياباً، أي ما يعادل راتب موظف لشهر كامل، إذ يضطر الأب للسفر مع ابنته، لمناطق المعارضة، بمبلغ ألفي ليرة للراكب، ومن هناك يذهب لمناطق النظام، ويدفع ثلاثة آلاف للراكب ومثلهن إياباً، وهذا مرهق مادياً وجسدياً، ليس بمقدور الغالبية فعله.
وما زاد الطين بلة، إغلاق عدد من الجامعات الحكومية في مناطق داعش والمعارضة حتى، كحال الرقة، ولم يقتصر الأمر على الجامعات الحكومية، فقد أغلق التنظيم، جامعتي الاتحاد وابن خلدون الخاصتين، وحوّل جامعة الاتحاد بفرعيها في الرقة ومنبج، لثكنات عسكريّة.
هل المعاناة لكل الأجيال؟
لم تقف ممارسات التنظيم، عند إغلاقه للجامعات، ومنع الفتيات من السفر لتكملة الدراسة، فمعاناة الفتيات في مناطق سيطرته، تبدأ من قبل وصولهن للجامعة، إذ أصدر التنظيم جملة قرارات، أبرزها إغلاق المدارس، ومنع تدريس المناهج الحكومية، تحت طائلة العقوبة بالحبس والجلد والغرامة، بحق المدرسين، والطلبة.
"جلد التنظيم العام الماضي عدداً من الزملاء بتهمة التدريس في مكاتب خاصة، وتمّ استدعاء أولياء أمور الطالبات، وكتبوا تعهداً بعدم تكرار الحادثة"، يؤكد أحد المدرسين، في عين عيسى شمال الرقة.
استسلام!
يسيطر تنظيم "داعش"، على نصف سوريا تقريباً، فارضاً قوانينه، وعاداته، فيما يبدو وضع الأهالي هناك، لا حول ولاقوة.
يقول المربي يوسف من مدينة منبج: "بدلاً من أن يلعن الجميع عجزهم بدؤوا يبررون ذلك، من نحو لا داعي لدراسة البنت، ولا فائدة من دراستها، ثم ما الفائدة من شهادة الكرتون إذا لم تعمل بها".
ويذكر، أن الكثير من الفتيات السوريات بمناطق داعش الحالية، انقطعن عن الدراسة الجامعيّة، قبل سيطرته، لأسباب أمنية أو اقتصاديّة، بعد تحول الجامعات لبؤر أمنية تابعة للنظام، ومكان لاعتقال الطلاب والطالبات.
وهو ما يصب في كلام الجامعي مروان من مدينة منبج: "غدت فترة الامتحانات فرصة ذهبية للأمن، لاعتقال الطالبات وابتزاز أهاليهن، ولا سيما إذا كُنَّ قريبات لثوار أو ناشطين".
إحباط النساء
لعبت كل العوامل السابقة أثراً نفسياً سيئاً على الطالبات وأوليائهن، على حد سواء، وشعر الجميع بحالة إحباط، أمام انسداد الأفق.
"أصبحت أقنع نفسي بأن دراستي الجامعية لم يعد لها قيمة في زمن الحرب السوداء، فأصحاب الشهادات العلمية العالية يعملون في تركيا عمالاً في معامل، ومنهم ابن جيراننا مهندس الإلكترون"، تعبّر فدوى عن حالها، وهي تسكن في أحد مناطق سيطرة داعش.
وأيضاً، لا تقف المصائب في وجه الفتيات بمناطق داعش، على الحرمان من التعليم، ثمة خطر جديد، يتمثل بالزواج المبكر، فبرأي بعض الأهالي، "لا مبرر لتأخير الزواج".
وفي ظل هذه الظروف، بات الحصول على طبيبة في مناطق شرق حلب، أمراً صعباً، توضح أم هدى:" إذا استمر الوضع عدة سنوات لاحقة بهذا الشكل فإنَّ نتائج كارثية ستلحق بالمجتمع السوري"، في إشارة ربما، إلى محو التحصيل العلمي، من تفكير السوريات، في مناطق داعش.
غربة جديدة!
شريحة قليلة من السوريات فقط، نجت من قبضة التنظيم، لكن مع ذلك، تتجرع آلام "الغربة"، ضمن حدود سوريا!
"لا أستطيع العودة لمنزل أهلي في منبج قبل إنهاء تحصيلي الجامعي كاملاً، لأني أخشى ألا يسمح التنظيم لي بالعودة، ومن حسن طالعي أنَّ لي عماً يرعاني ويهتم بي"، تقول فاطمة التي تسكن مع عمها في حلب، وتستمر بحياتها الجامعية هناك.
ولكن، تبقى فاطمة استثناء أمام قاعدة الحرمان التي تعيشها الفتيات السوريات، في مناطق التنظيم، إذ أكثر من 90% منهن، حُرمن الجامعة.