الوحشية العمياء في حرب سوريا

الوحشية العمياء في حرب سوريا
القصص | 06 ديسمبر 2015

تشير آخر الإحصائيات حول نتائج الصراع المسلح الدائر على الأراضي السورية إلى أن نظام الأسد مسؤول عن أكثر من 75% من الضحايا المدنيين في عموم سوريا. هذا الرقم أعلى بثلاث أضعاف مما تسببت به باقي المجموعات والكيانات الداخلة في الصراع. تأتي داعش في المرتبة الثانية من حيث المسؤولية عن قتل المدنيين وذبحهم، الملفت للنظر أن الفصائل المسلحة وجبهة النصرة وعلى الرغم من كثرة الهجمات والضربات التي تشترك فيها إلا أن حصتها من قتل المدنيين تبدو أقل بكثير من الأسد أو داعش، لا بل إنها تقارب ما تسببت فيه قوات التحالف الغربي خلال الأشهر الماضية من قتل للمدنيين بقنابلها وضرباتها الذكية والموجهة. و هذا إن دلّ على شيء فهو إما أن يشير إلى أن كتائب الثورة والنصرة إلى حدّ ما تمتلك أسلحة ذكية وموجهة تقارب تلك التي تمتلكها قوات التحالف – هذا أمر معروف له عدم صحته إطلاقاً باستثناء صواريخ التاو التي تم نقلها مؤخراً لبعض كتائب الجيش الحر-  أو تشير هذه الأرقام إلى كفاءات عالية وروح قتالية تحترم إلى حدٍّ ما المدنيين و تتجنب قدر الإمكان ألا تنتهك بإسراف القانون الإنساني الدولي لدى فصائل الجيش الحر. في الجانب الآخر، تشير الأرقام إلى أن هناك "عميان" يقاتلون لجانب الأسد وداعش على السواء. التعمية هذه لا تتوقف على الجانب الفيزيائي من ناحية توجيه الضربات لكنها تتصاعد وتتوسع لتشمل العماء على المستوى الأخلاقي والقيمي. فحتى في أعتى الحروب وأشدها يبقى هناك متسع لدى بعض أطراف النزاع لحدّ أدنى من الأخلاق، تلك التي لا تمتلكها ميليشيات الأسد وإيران وروسيا ولا تمتلكها أيضاً وبالضرورة داعش ووحوشها من كل الأعراق والأجناس الأخرى.

ليس القول هنا للتدليل على أن قوات الكتائب الثورية وإلى حدّ ما جبهة النصرة لم ترتكب خروقات وانتهاكات شديدة وعميقة في حق الإنسان وحق الأرض، لكن النظر إلى الفارق بين أطراف النزاع يعطي مدلولاً لا يمكن إغفاله، حول من هو أقل وحشية ممن؟!.

الوحشية العمياء في سوريا لا تتوقف عن عدم التمييز في القتل، لكنها تتسع إلى التفنن في شكل القتل ونوعه. ففي حين أن قوات نظام الأسد مسؤولة عن 97% من الوفيات الناجمة عن التعذيب الممنهج في المعتقلات، فإن داعش تحتفظ أيضاً بالمرتبة الثانية في هذه المسابقة، على حين لا يتجاوز عدد القتلى من عمليات التعذيب والأسر لدى فصائل الثوار عدد ما يقضي شهيداً في مهجع واحد فقط من فرع فلسطين خلال شهر أو شهرين على الأكثر. 

العماء والتعمية تتضمن بعداً أكثر من أخلاقي في كيفية خوض الحرب من قبل الطرف المتحارب، إنها تبطن نهجاً وممارسة قارة في كيف ينظر الطرف المتحارب إلى الآخر وكيف يتوق إلى لاتشييئه – جعله لا شيء-. هذه السياسة العمياء في خوض الحرب هي دليل على سياسة أعمق في كيف يحكم ويسود الأعمى على من هم تحت سيطرته وأمرته. لا اعتبار لوجود مبصرون لدى دولة الأسد أو دولة الإسلام في العراق والشام. فالكل مجرد "لاشيء"، لا فرق إن مات أشلاءً مبعثرة في سوق دوما أو منكلاً به في القبو الثالث تحت الأرض في فرع فلسطين أو دار الحسبة لولاية الرقة. 

هذا العماء الأخلاقي المعلن والمبطن لا يؤثر على أرقام القتلى والجرحى وشهداء التعذيب فقط، إنه يمتد ليكون عماءً على مستوى السياسة وإيجاد الحلول. إن وجود هذين الأعميين – الأسد وداعش – يجعل من حرب سوريا لعبة قذرة لا تنتهي. فكلما مضينا نحو مقترح لحلّ أو طريق لخلاص، تأتي براميل "الجيش العربي السوري" بكل ذكاء وتقتل المتسوقين في مدينة دوما وتعف عن عسكرييها وعن مقاتلي جيش الإسلام. وكلما اقتربت الفصائل المعارضة الثورية ذات التوجه الوطني السوري نوعاً ما نحو تشكيل أيّة هيولى أو أرومة لمنظومة حياة واجتماع بشري في المناطق المحررة، ترى سيارات الدفع الرباعي لأشبال الخلافة وهي تقتحم المناطق تدهس أحلام السوريين بأبسط أشكال المدنية وتملأ مدنهم و قراهم عماءً وتعمية معيدة إياهم لحياة قروسطية قوامها الرجم بالحجارة والذبح بالسكين. 

لا مجال لسوريا أن تكون بكامل صحوها ويقظتها، ما لم تتخلص من عميانها. إن إلقاء الأسد و داعش خارج كل المعادلات السورية هو الحل الأول والأخير لهذه الأرض التي غرقت بدماء أبنائها وغرق أبنائها في مياه البحار وتشردوا في كل شتات الأرض. سوريا بلا عميانها هي سوريا التي يجب أن يقاتل الثوار لأجلها، ولأجلها فقط. 

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق