إلى الشرق 35 كيلو متر من مدينة حماة، ترتفع الحرارة صيفاً حيث الاقتراب من صفات البادية، لكن ربيع وصيف بادية حماة كان على غير العادة ملتهباً، فتنظيم داعش الذي سيطر على قرى عديدة في ريف سلمية أربك الأجواء، وجعل المعادلة تتغير، فيما زاد سخونة الأجواء وحتى اللحظة، المعارك الدائرة بين طرفي الصراع التقليديين في حماة ( النظام والمعارضة) على أطراف المدينة الشمالية وفي سهل الغاب، فكيف يعيش سكان حماة التغيرات المحيطة، واختلافات آرائهم؟.
الاختلافات في وجهات النظر لم تفسد الأجواء
اقرأ أيضاً: محمد العبد لله: مسرحية تدمر بين "النظام" و"داعش" رديئة النص والإخراج
حتى منتصف 2011 وبعد عدة أشهر من انطلاق الثورة كان "عماد، أحمد، وسليم"، يجتمعون في إحدى غرف مؤسسة تابعة لحكومة النظام السوري، القريبة من ساحة العاصي، حيث كانوا يعملون، ليتباحثوا شؤون البلد وشؤون حماة تحديداً.
يقول عماد، 31 عاماً، أحد زملاء العمل: "المظاهرات كانت قريبة جداً، الأصوات كانت تعلو، وكنا نحاول أن يبقى نقاشنا عما ستؤول إليه البلد بعد هذه الحشود المطالبة بالتغيير، لكن كان ثمة من يردعنا عن التفكير بصوت عال، وهو مديرنا الذي كان يقوم بدوريات يومية على المكاتب ليحد من الحديث في السياسة، وخصوصاً أن حديثنا عن تغيير النظام بات مطروحاً".
يحافظ رؤساء المؤسسات العامة وفروعها في حماة، على خطاب النظام السوري الرسمي، ولكنهم تحت ضغوط المعارضة لتصرفات النظام، يبقى لديهم رأي خاص كأي إنسان آخر، لا يصرحون به بشكل مباشر.
"رغم كونه من الطائفة العلوية إلا أنه غير موافق على تصرفات النظام" يقول أحمد، 34 عاماً، زميل العمل الثاني ويتابع: "نحن نعرف تماماً موقف مديرنا الحقيقي وندرك تماماً أنه إن صرح بموقفه وانتشر الخبر، سيكون مصيره الموت وربما مصير عائلته أيضاً".
في الأسواق تختلط الأوراق
إلى جانب ساحة العاصي، في سوق الطويل، وعلى طرفيه، أسواق كثيرة وجدت، لتغطي حاجة المدينة المكتظة بمواطنيها ووافديها. تختلف الألوان والأصناف، بضائع متوفرة بكثرة وبأسعار ليست بالمرتفعة، وتلتغي حواجز السياسة كما لو أن شيئاً في سوريا لم يكن.
اقرأ أيضاً: بريطانيا: النظام السوري يشتري النفط من داعش وحربه على التنظيم أكذوبة
للحياة بقية ، عنوان الحركة و" عجقة" الناس، لكن كما يقول ياسر، 28 عاماً، من مدينة سلمية: "يبقى حاجز الخوف مما هو قادم فلغة السلاح باتت كل شيء، وأصبح علينا أن نكون حذرين حتى في تحركاتنا داخل المدينة ومع اكتظاظ السكان".
تغيب حساسية الطوائف في أسواق حماة، "لا أحد يعرف طائفة الآخر"، كما يوضح زاهر، 36 عاماً، من إحدى القرى العلوية الغربية، لكنه يتحدث أيضاً عن حالات "اختفاء لأبناء من الطائفة العلوية في أحياء حماة الضيقة". وخضعت بعض سيدات المناطق الريفية لقوانين المدينة بارتداء "الحجاب".
جريدة الفداء، الجريدة الرسمية المحلية في حماة، حذرت بطريقة غير مباشرة مراسليها من التصوير في الأسواق أو في أحياء معينة، بحسب ما ذكره عاملون فيها، خوفاً على حياتهم طالما أنهم يعملون في وسيلة مؤيدة للنظام، رغم أن هذه الوسيلة خسرت قرائها كما ميزانيتها وتحولت في كثير من الأحيان إلى "موقع الكتروني".
من جهتهم يجد فلاحون وباعة من ريف حماة الشمالي، المشتهر بزراعته المتنوعة، منفذاً لهم نحو الأسواق الحموية، وتسهّل نوعاً ما الحواجز العسكرية التابعة للنظام مهمتهم بالعبور، طالما أنهم يحملون بحوزتهم "ذهب" الاستقرار الأخضر.
أبو محمد، 42 عاماً، مزارع من بلدة اللطامنة يقول: "مخزون حماة من البطاطا متواجد في اللطامنة، فهي أكثر بلدة تنتجه وتوفره للأسواق الحموية، وأنا بدوري أقوم بزراعة البطاطا وبيعها في سوق الهال، وبالتالي الحاجة متبادلة".
ثم يوضح المحامي فراس الحموي أنه " غير معروف من يسيطر على المدينة، ففي الشكل النظام بحواجزه وعناصره مسيطرون، لكن في الحقيقة أن غالبية سكان المدينة وقاطنيها معارضون للنظام ويبدو أنهم هم من يسيطرون فعلياً".
لتنظيم داعش حصة
ثمة من يأتي من ريف حماة الشرقي البعيد، وريف مدينة السلمية تحديداً، إلى "عاصمة الاسماعيليين" في سوريا، أو حتى إلى مركز مدينة حماة.
أبو فراس الحاج، 53 عاماً، من مدينة سليمة، يشرح لروزنة: "غرب مدينة سلمية، تبدأ العشائر السورية بالظهور، وهو ما اعتمد عليه تنظيم الدولة الاسلامية إلى جانب قوته وسطوته، مستغلاً طيبة أهل الريف الشرقي وخصوصيتهم الدينية".
اقرأ ايضاً: منى الشاوي… والاعتقال المكرر في سجون داعش والنظام السوري
تحت ضغط قصف "التحالف الدولي"، تراجع تنظيم الدولة، إلى مدينة الرقة القريبة للحفاظ على مراكزه، وتخلص ريف حماة الشرقي من التنظيم، "لكن في كافة الأحوال وبغض النظر عن اختلاف المسيطر، بقي أهالي الريف الشرقي ، مستمرون بحياتهم وبارتيادهم لأسواق سلمية وحماة وبيعهم المنتجات الحيوانية المشهورة عربياً"، يردف أبو فراس.
ليل حماة غير نهارها
تنام حماة باكراً، وتغيب عنها الحركة بمجرد ميلان الشمس نحو المغيب، وتكتظ الوسائل العامة بالعائدين إلى قراهم في الأرياف، لكن ثمة من يحين موعد استيقاظه.
أبو عدنان، 47 عاماً، من مدينة حماة يقول: "تقل بشدة أعداد عناصر الجيش النظامي، الموظفون يغيبون عن الساحة مساءً، ليحل محلهم في كثير من الأحيان عناصر تحمي الأحياء كما بدايات الجيش الحر".
يكثر في المزارع القريبة من المدينة عناصر الجيش الحر، فيما تشتد المعارك فعلياً في الأرياف، حيث تتبدل الخريطة في الغالب يومياً، ويستيقظ أهالي مدينة حماة على سيطرة المعارضة المسلحة على قرى في سهل الغاب أكثر، أو اشتداد المعارك في الريف الشمالي (كما مدينة مورك مؤخراً).
لكن لا يتغير شيء في المعادلة الكلية، ثلاثية (النظام – المعارضة – تنظيم داعش) يجتمعون على أرض حماة وريفها بسلاحهم ليلاً، وبتجارتهم وأعمالهم صباحاً.