السويداء... داعش في براميل المازوت

السويداء... داعش في براميل المازوت
القصص | 03 ديسمبر 2015

حتى الآن لا نعرف شيئاً عن الحقيقة، فمنذ أكثر من سنتين يردد الناس هنا حكايات غريبة ومرتعشة عن تحركات مشبوهة لأرتال من السيارات في البادية التي تحد محافظة السويداء من الشرق. لا تقدم الحكايات أي تفصيل عن مسار الحركة، بل يترك للخيال أن يملأ الفراغ السردي بما يشاء من الصور. أعتقد أن الرواة شاؤوا عامدين ترك الحكاية دون رتق، أو اختاروا أن يقدموها لنا مشبوكة بالغطاء الليلي الذي يخفي، ويرعب، أكثر مما يظهر ويطمئن.

وسريعا ما تم ربط التحركات الليلية للسيارات في أطراف البادية باسم داعش، ولأول مرة يحدث أن تكون السيارات مصدر رعب، أعتقد أن الأفلام التي عممتها داعش، وسوقتها الفضائيات العربية والأجنبية عن طريقة تحرك المجموعات الداعشية ، قد ساعدت في إيقاظ عناصر الذعر في الحكاية: فالجميع شاهدوا في نشرات الأخبار أرتال  السيارات الداعشية وهي تسير واحدة وراء الأخرى في مكان ما، صحراوي في الغالب، وقد لطخت بالوحل، أو رفعت فوقها الأعلام السوداء، نحو أهداف غير معروفة.

هذه هي الصورة التي تم تخزينها في ذاكرة الناس الذين يتابعون الأخبار. أعتقد أنها أخرجت بهذه الطريقة الهوليودية  كرسائل، ومن بين المرسل إليهم خص المخرج السوريين الذين ظلوا في البلاد، ولم تصل إليهم بعد نيران المدافع. ومن بين هؤلاء قد يكون سكان محافظة السويداء الذين يستضيفون أكثر من مائتي ألف  مهجر من جميع المحافظات السورية.

وها قد توفرت عناصر جديدة للفيلم الهوليودي، البادية الشرقية الشاسعة وغير المحمية من أي قوة عسكرية وازنة، عدا بضعة مخافر للشرطة، أو بعض قوات الهجانة التي لم ير أحد هنا أي واحد من أفرادها. الغموض الليلي. السرية والكتمان المغلفين بكثير من التكهنات التي لا تجد تأكيداً أو نفياً من قبل طرف عارف ومطلع.

الغريب أن أي أحد من أبناء المنطقة لم يذهب لاستطلاع الأمر. هل منعوا؟ من الذي منعهم؟ من يريد إبقاء الرسالة في الزجاجة؟ الحقيقة أن المرسل قد نجح حتى الآن في إثارة الشكوك فقط، كما أنه نجح في تعميد المنطقة الشرقية بالاسم الداعشي. لم نصل إلى مرحلة الذعر، تظل الحياة اليومية لأبناء المنطقة تمشي وفق إيقاعها العادي: الأسواق ممتلئة بالبضائع. ازدحام للسيارات ، والمارة. الموظفون في أعمالهم.

في البداية وصلت داعش معبأة في براميل المازوت. هذه هي المعلومة التي تسربت إلينا. بدأ المهربون يأتون بالمازوت الثقيل غير المكرر الذي سمي فورا "مازوت داعش" لبيعه في المحافظة، وسط شتاء طويل وقاس، من جهة، وغياب متكرر لدفعات الوقود المنزلي من مراكز التوزيع الحكومية من جهة ثانية. سوف نصدق الهوية دون تردد: فداعش وحدها هي التي تقوم بتكرير بدائي للنفط  في المناطق التي استولت عليها.هل هذا حقيقي؟ لا نعرف.

ومن الصعب أن نعرف كمواطنين أي معلومة مؤكدة من المهربين، وقد صار عدد من أبناء المنطقة شركاء في عمليات التهريب. يحلو للمهرب أن ينشر الغموض ويفتح الطرق ويضيع الآثار و يبشر بالخرافات، هذه سرديات يقدمها المهربون بمصاحبة أعمالهم، والمرجح بالنسبة للتجار أن تكون لديهم ،عادة، رغبة في استرضاء المشتري، غير أن داعش لا تحسب حسابا لهذا، تبدأ الشائعات بالانتشار هنا، داعش موجودة في الطرف الشرقي للمحافظة، ماذا تفعل؟ ماذا تريد؟

لا تجيب القوى المستطلعة عن السؤال، فهم لا يعرفون، هل رأى أحد منكم داعشيا؟ لا، يكفي أن ترى أرتال السيارات وهي تتنقل في البادية ليلا، كي تعرف أن داعش تتموضع هناك. فهل داعش تجار المازوت، هي داعش فعلا؟ لا نعرف، وسوف يزيد جهل أهل المنطقة بأغراض داعش الجديدة المجردة من البزنس في رعب الحضور الذي يستمد من الغياب قوته. وهو ما يدفعهم إلى جملة خيارات : منها خيار التكهنات ، وفيه يتم رسم الأجندات والحسابات لداعش ولكل من يحتمل أن يستفيد بطريقة ما من تقدم داعش، وهنا أيضا يقال أن داعش ليست سوى البعبع الذي تمكنت قوى كثيرة من حشوه بالرصاص.

داعش هي  القاتل المأجور في الفيلم الأمريكي. ومنها خيار التسلح والمراقبة خوفا من المفاجأة على غرار كوباني، وهنا سوف يبحث الناس في الانترنت وفي الفضائيات عن الأصدقاء الداعمين، أو الذين يحتمل أن يقدموا الدعم  العسكري أو اللوجستي لهم في مواجهة القوة الغاشمة. في الغالب لا يجدون أحدا، وضع الأكراد كان مختلفاً حسب المشاعر السائدة. لا نعرف. سوف تبقى خيارات أخرى، منها خيار التجاهل والإنكار، حيث تستمر الحياة اليومية العادية، يذهب الناس لأعمالهم، تتواصل مشاريع العمران، تظل المطاعم والمقاهي والكافتيريات مفتوحة تقدم الطعام والقهوة والأغاني. أي كل ما ينقض وجود داعش.

سوف ننتظر ونرى.

*نشر هذا المقال بموجب اتفاق الشراكة بين روزنة وهنا صوتك.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق