مقالات الرأي | تنطلق السياسة الإيرانية من دعمٍ ثابتٍ لمجموعات وأنظمة تابعة لها، ومن هذه الأنظمة النظام السوري، ولا سيما بعد مرحلة خروج الجيش السوري من لبنان 2005، وتعمقت التبعية بعد انطلاق الثورة السورية 2011. كسياسة عامة تجاه سوريا، كررت إيران أنها مع حق الشعب السوري في تقرير مصيره ومستقبله؛ وفي الواقع دعمت النظام بكل الأشكال، مالياً وعسكرياً واقتصادياً وبشرياً، ليتطابق مفهومها للشعب مع النظام، أي أن الشعب لا وجود له في سوريا، وهناك نظام موالٍ لها ويجب دعمه؛ فزواله يعني تهميشاً لدور إيران في لبنان وفلسطين، وربما في كافة الدول العربية، وبالتالي خيار إيران الوحيد هو الكذب باسم الشعب السوري والإيراني ودعم الأنظمة وتأبيد نظام ولي الفقيه فيها وحرسه الثوري.
نشر وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف مقالاً في جريدة السفير (هنا)، أوضح فيه ثوابت السياسة الإيرانية؛ الملفت مقدار الكذب، فهي مع حق السوريين في تقرير مصيرهم، بينما إيران هي بالتحديد من منعت انتصار الثورة السورية، وتقول أنها ضد التدخل الخارجي، وهي من قام به قبل بقية الدول ومنها أمريكا وروسيا كذلك، ويؤكد ظريف أن سياسة دولته ضد الإرهاب كأداة للدول في تحقيق غاياتها، وفي هذه يكذب ظريف، فالتدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، هو من الأسباب الرئيسية لمنع تشكل هوية وطنية، فهو يفتت النسيج الوطني لصالح الخندقة الطائفية، وبذلك تستطيع إيران إيجاد مكان لها في هذه الدول.
ظريف يتظارف على السوريين قائلاً أن لا حل عسكرياً "للأزمة السورية"، وكأن ثورة السوريين بدأت عسكرية. الثورة بدأت مدنية ومن دفع بها لتكون عسكرية هو النظام بالتحديد وبدعم وبتدخل إيراني في السياسات العسكرية، وبالتالي إيران تتحمل مسؤولية كبيرة عن كل مآلات الثورة السورية. طبعاً هناك أطراف في المعارضة ودولٌ عملت من أجل عسكرة الثورة ولكن كل ذلك كان يمكن تفويته ومنع حدوثه لو أن النظام اختار الحل السياسي لمواجهة الثورة ولم يختر الحل العسكري الأمني المدعوم أولاً إيرانياً وثانياً روسياً.
ثم يوجه ظريف نقداً لدول الخليج ويصفها بأنها مؤيدة للإرهاب، وأنها لو صرفت نقودها على التنمية الاقتصادية لتم القضاء على جذور الإرهاب والعنف. أبسط رد سيكون لماذا حكومات إيران صرفت نقوداً على حزب الله حتى أصبح دولة كاملة السيادة في لبنان مثلاَ.
لا يحق لظريف هذا حتى انتقاد التنظيمات الجهادية كداعش والنصرة وسواها، فهي لم تكن موجودة حينما دعمت سلطة ولي الفقيه النظام السوري، وهي كانت نتاج سياسات إيران في سوريا. المنظمات الجهادية تفيد بإطالة عمر النظام وتصويره وكأنه يواجه فقط قوى إرهابية، وبالتالي هذه المنظمات لا علاقة لها بالثورة السورية، وهي بكل الأحوال أكملت دور النظام في سحقها في المناطق المحررة.
لا شك أنه لا ديمقراطية في كافة دول الخليج، ولكن ما هي صلاحيات ولي الفقيه في إيران أو مجمع تشخيص النظام مثلاً، ثم ألم يتم تزوير نتائج الانتخابات 2009 -2010 في إيران؟! إن دولة تعاني ديمقراطيتها كل هذه السلبيات وتدعم أنظمةً ديكتاتورية وتُنشئ منظمات طائفية لا يمكن لوزير خارجيتها انتقاد دول الخليج، والتي فعلاً تريد الإجهاز على الثورة السورية. إيران ودول الخليج اشتركت في هذا الموت القذر.
يرى ظريف أن إنهاء الحرب يستدعي النظر في أسبابها الرئيسية، وهو قول سليم، ونرى أن السبب الأساسي للثورة هو الفقر الناتج عن التحولات الليبرالية في سوريا والتي تصاعدت بدءاً من عام ألفين، وكان النظام الأمني غطاءً لها، وبالتالي كانت أسباب الثورة اقتصادية أولاً وضد النظام الأمني ثانياً.
مقال ظريف يقول شيئاً واحداً، إن مسار فيينا يجب أن يوسع حكومة النظام ومحاربة الإرهاب أولاً وحالما تنتهي كل الفصائل العسكرية وتنضوي في جيش النظام، يتم تشكيل حكومة وطنية والبدء بالمرحلة الانتقالية. ظريف لا يتعرض لدور دولته أو حزب الله أو المليشيات الشيعية التي جلبوها إلى سوريا أبداً. ظريف يتذاكى في لحظة زمنية مفصلية في تاريخ سوريا، فالعملية السياسية تجد صدىً دولياً لحمايتها والاهتمام الجاد بها، ومشكلة إيران معها في ربطها المحكم بين محاربة الإرهاب وتشكيل حكومة وطنية، أي بداية التغيير في السلطة القائمة حالياً. ونضيف أن لقاء فيينا لم يطرح فوراً مصير الرئاسة السورية، أي هي قضية متروكة للمستقبل، ولكن إيران تعلم أن مجرد البدء بوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وطنية فإن وجودها في سوريا سيتقلص كثيراً وسيتم إخراج حزب الله نهائياً وأيضاً ستحدث تغييرات تشمل الصفوف الأولى في النظام، وهذا بالضبط ما يهدد المصالح الإيرانية. هذه الأسباب هي التي تدفع جواد ظريف للتذاكي وتحشيد الموالين لإيران مجدداً خلف النظام.
وينهي هذا غير الظريف أبداً، بتوجيه نقداً للدول التي لا تدعم اللاجئين السوريين في الخارج أو النازحين في الداخل. طبعاً لا يسأل نفسه هذا الرجل لماذا لم يذهب سوري واحد للجوء إلى إيران مثلاً. الجواب المعروف لكافة خلق الله أن إيران شريكة في المقتلة السورية أكثر من كل دول العالم.
إيران ودول الخليج بل وأمريكا وروسيا تريد تحقيق مصالحها في سوريا، وجميعها رفضت أهداف الثورة السورية، ودعمت الخيار العسكري الأمني للنظام وكذلك خيار التطرف من ناحية أخرى، ولكن إدعاء الدفاع عن حقوق الشعب السوري من قبل إيران وروسيا، فيصح عليه القول: الوقاحة أعيت صاحبها.
الكذب في السياسة الإيرانية ركيزة أساسية، ويمكننا القول، إذا كانت السياسة تعبير مكثف عن الاقتصاد، ففي الحالة الإيرانية فإن الكذب بخصوص حقوق الشعب السوري هو كل السياسة الإيرانية.
*مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر "روزنة".