تم إعلان يوم 25 نوفمبر يوماً عالمياً لمقاومة العنف ضد النساء، والحدث مرتبط بذكرى قيام الدكتاتور الدومينيكاني رافائيل تروخيللو عام 1960 بإعدام الناشطتين السياسيتين الأخوات ميربال، وقد بدات الأمم المتحدة تخليد هذا اليوم لمناهضة العنف ضد النساء منذ عام 1999 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كان ذلك بالطبع قبل أن تندلع الدياسبورا السورية، وما رافقها من نكبات وأهوال وويلات دفعت فيها المرأة أكبر ضريبة من العناء والعذاب والقهر، وقبل أن تتاجر بصورها قنوات العالم الهائجة وهي هائمة وباكية وجائعة وضائعة ومغتصبة وأرملة ومنكوبة وثكلى.
ولكن هذه المظالم كلها لا تبدو شيئاً أمام أفظع مآسي المراة في العصر الحديث وهو السبي الذي مارسته داعش جهاراً نهاراً ضد نساء سنجار، وحين أكتب هذه السطور فإن هناك ألوف النساء السوريات والعراقيات لا زلن يواجهن أقسى المصائر المجهولة على يد محاربين قساة بلا قلوب ولا رحمة، وهن يتبادلن أجساد النساء، بوحشية سادية سوداء، تمثل أسوأ صور توحش الإنسان وظلاميته، واسوأ ما فيها هو أنها تتم تحت عنوان تطبيق شرع الله!
وأعلنت داعش أنها تطبق حكم الله في سبي نساء المشركين، وقد أثار ذلك استنكارالعالم الإسلامي كله، ولا أعتقد أن منبراً إسلامياً أو جامعة إسلامية أو مجلساً إسلامياً أعلى أو أدنى إلا أدان الاسترقاق الحقير الذي مورس على نساء سنجار، وهناك بيانات إدانة معززة بالأدلة الفقهية الراسخة صادرة عن كل مراكز الفتوى في العالم الإسلامي تدين داعش وتجزم بضلالها وانحرافها.
ولكن هذه الفتاوى المترافدة الصادرة عن شيوخ الأزهر ومجالس الفتوى والإرشاد لا تتعدى جانب الإعلان الصحفي، ولم تتطور لتكون إصلاحاً منهجياً في برامج التربية والتعليم، وعلى الفور عاد المشايخ يدرسون ثقافة السبي من جديد عبر مناهجنا الشرعية، على أنها السبيل المناسب للتعامل مع النساء في الحروب، وأنها ممارسات السلف الصالح رضي الله عنهم، وتم اعتبار ذلك من بديهيات العدالة في الحرب، وأنها ملك اليمين الذي جعله القرآن نعمة عظيمة من الله على المؤمن والمؤمنة، ولا أنسى كيف كنا نتلقى على مقاعد الدرس المحاضرات الطوال في حكمة سبي النساء واسترقاقهن، وأن هذا اللون من الرق كان يجنب النساء كثيراً من مخاطر التشرد والهوان بعد الحروب ويلبي حاجاتهن الجسدية الفطرية بوجه عادل وحكيم!
لاتزال مناهجنا التدريسية طافحة بأخبار المرأة السبية، في عصر الصحابة والتابعين، وحين نتغزل بروايات الجواري والسبايا والإماء في كتب الأدب العربي لا تقع مشاعرنا على شيء من عذابهن وعنائهن في هذا القهر الأسود في الجحيم الذي فرضته عليهم الحرب بضائع وسلع في سوق النخاسة وقد حيل بينهن وبين أهاليهن وأطفاليهن وأبنائهن، ولا نلتفت إلى دموع القهر والأسى والعذاب الذي يلف حياتهن الكئيبة المجدولة بالمظالم، ونختار بدل ذلك أن نقدم مشاهد الجواري لعوبات فاتنات عابثات، وربما نقدمهن أيضاً ذكيات موهوبات وشاعرات وراقصات، دون أن نشير أي اشارة إلى وحشية السبي والاسترقاق، التي مارسها مجرمون ساديون لا يعرفون أدنى كرامة لروح الإنسان في الحياة وروح الله في الإنسان.
لا أعرف اليوم كيف أمكنني أن أصدق هذا، ولا أعرف كيف أمكن لأستاذي أن يكذب علي وهو يحدثني عن رحمة الفقيه بالمرأة، حين يوفر لها فرص السبي الكريم، وكم كان أسلافنا رحماء حين يقتلون عشيرتها من أب وأخ وولد ثم يشفقون على المراة المنكوبة فيدفعونها بكل رحمة سبية لأحد المحاربين إحساناً وتكرماً وتفضلاً على هذه المرأة!
*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".