إسقاط الطائرة الروسية يرد على هجمات باريس

إسقاط الطائرة الروسية يرد على هجمات باريس
القصص | 26 نوفمبر 2015

يأتي إسقاط الطائرة الروسية من قبل الطيران التركي ليبعثر ما استقر بعد هجمات باريس التي وقعت في ليل 13 تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام. الهجمات التي حملت إلى الدول الفاعلة في الحدث السوري رسالة واضحة هي أن داعش باتت على أبوابهم وداخل بلدانهم وأن النار السورية تمتد باطراد إلى ديارهم.

أحد المسؤولين الأوربيين الرفيعين في مكافحة الإرهاب، يقول في تعليقه على الاعتداءات: "فوجئت أوروبا بقدرة داعش وتصميمها وعزمها على تنفيذ هجمات بهذا العنف والتنسيق اللافت خارج الأراضي التي تسيطر عليها، بدلاً من التركيز على تعزيز الخلافة". لم يكن في حسبان أوروبا أن تخرج عليها داعش، باكراً هكذا.

ظهر المفعول "السوري" لهذه الرسالة الصاعقة في الميل الفرنسي نحو روسيا (تنسيق عسكري مباشر)، وفي الكلام الذي قاله لافروف بعدها عن ضرورة "احترام الامتيازات التي تتمتع بها القيادة السورية". وقوله في التصريح نفسه "إن الأسد يمثل مصالح جزء كبير من المجتمع السوري". واضح أن الروس يستغلون الجرح الأوربي الذي تضامن معه الأمريكان أيضاً حين قال اوباما للرئيس الفرنسي: "كلنا فرنسيون". 

تقترب فرنسا التي تعتبر البلد الأوروبي الأكثر صرامة تجاه النظام السوري من روسيا الحاضنة الفعلية للنظام السوري. هذه هي النتيجة التي دفعت إليها اعتداءات باريس الأخيرة. في الواقع كل ما فعلته احداث باريس أنها أخرجت الموقف الأوروبي من عطالته. التحالف الدولي العربي يقصف داعش منذ أكثر من عام، وداعش تتمدد مع ذلك. في الأمر غرابة. بعد الاعتداءات المذكورة على باريس، تقدم أمريكا لفرنسا بنك أهداف في الرقة كي تقصفها، دون أن ندري لماذا لم تقصفها طائرات التحالف من قبل. ثم تنفذ الطائرات الروسية مجزرة بحق صهاريج داعش التي تنقل النفط السوري إلى مصافي العراق، فتدمر 500 منها، حسب الأخبار. أين كانت هذه الصهاريج طوال العام المنصرم من القصف الدولي؟ 

بين ضرورة التخلص من "الإرهاب" وضرورة أن لا يؤدي ذلك إلى تقوية النظام السوري، مع عدم الاستعداد للعمل ضد النظام السوري في الوقت نفسه، دخل الموقف الأمريكي والأوروبي في عطالة فعلية. من البديهي أن القصف الأمريكي يحتاج إلى قوات على الأرض لترجمته إلى مكاسب عسكرية فعلية، غير أن أمريكا لم تتقدم فعلياً في تشكيل مثل هذه القوة، وفشلت في بناء ما أسمته قوات معارضة سورية معتدلة، وهي تعتمد اليوم على قوات حماية الشعب الكردية التي هي الخصم الأول لأردوغان، حليف واشنطن المهم. الأمر الذي يزيد في تعقيد الصورة. 

الموقف الروسي كان منذ البداية أكثر فاعلية، فهو داعم للنظام ويسعى إلى إدخال تعديلات شكلية على تركيبة النظام للالتفاف على جوهر الصراع في سوريا، والمتمثل في تطلع السوريين للخلاص من الاستبداد الأسدي. ومن الناحية العسكرية كان التدخل الروسي أكثر فاعلية لأنه يقوم على التنسيق مع وحدات عسكرية على الأرض هي الفصائل التي تعمل لصالح النظام السوري. مع الوقت بدأ تناقض الموقف الغربي يشلّ الفاعلية الغربية لصالح فعل روسي هو في حقيقته انقاذ للنظام السوري. وما فعلته اعتداءات باريس أنها دفعت الموقف الغربي أكثر باتجاه الموقف الروسي. 

على هذه الخلفية يمكن فهم "الحزم" التركي تجاه دخول طائرتين روسيتين إلى  المجال الجوي التركي. من الناحية العسكرية يبدو أن رواية الأتراك غير مقنعة. فبحسب نيويورك تايمز، دخلت الطائرة الروسية أجواء تركيا لمدة 17 ثانية، في حين تقول تركيا إن طائراتها وجهت عشرة إنذارات للطائرة الروسية لمدة 5 دقائق. يبدو أن في الأمر تلفيق. ولكن الواضح أن الأتراك، محتمين بالحلف الأطلسي، أرادوا ذريعة كي يصفعوا الروس المتمادين في مهمتهم والحائزين على غطاء سياسي أوسع بعد هجمات باريس.

وسواء أسقطت تركيا الطائرة الروسية بتنسيق مسبق مع أميركا أو بمبادرة تركية، فإن الأتراك لم يدخلوا هذا الباب دون قراءة ذكية للموقف الأمريكي، ذلك أن المزاج الأمريكي لم يكن مرتاحاً للانحياز الروسي الصريح لصالح الأسد. ومن الواضح أن أمريكا ساندت تركيا على الفور على لسان الجيش الأمريكي وعلى لسان الرئيس أوباما، ثم أعقبت أميريكا الحادث بفرض عقوبات ضد النظام السوري طالت أحد البنوك الروسية (فايننشال أليانس) لدوره في صفقات مالية مع النظام السوري.

على هذا يبدو أن إسقاط الطائرة الروسية، فرمل مفاعيل هجمات باريس وأجبر روسيا على أن تنظر إلى ما حولها، وتدرك أن هناك مصالح أخرى في  الجوار.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق