دمشق خالية من الشبان.. ما السبب؟

دمشق خالية من الشبان.. ما السبب؟
تحقيقات | 18 نوفمبر 2015

"إنها فوبيا الاحتياط"، يقول هاني من مواليد 1988، أحد سكان مدينة دمشق، بينما يذهب الشاب إلى أبعد من ذلك، ويصف الحالة بـ"المتلازمة"، التي تعيش معه يومياً، وتقض مضجعه منذ نحو أربع سنوات في البلاد.

وتبدأ أعراض هذه "المتلازمة" تشتد، مع كل خبر يتلقاه حول سوق أحد أصدقائه أو أقاربه، من على حاجز ما، تابع للنظام السوري.

هذه "الفوبيا" أو "المتلازمة" كما وصفها الشاب، بلغت ذروتها في الفترة الأخيرة، مع بدء الحواجز الأمنية في دمشق، بحملة لسوق الشباب إلى خدمة الاحتياط "عشوائياً"، كما روجت لها بعض وسائل التواصل الاجتماعي، بينما أكد أحد عناصر الأمن العسكري التابع للنظام أنها "حملة فقط على المتخلفين عن خدمة الاحتياط".

وسائل مناورة على الحواجز!

لا يوجد قرار رسمي صدر من حكومة النظام السوري، ولا حتى نفي رسمي علناً باسم مسؤول صريح، ما جعل الشائعة تقترب إلى الحقيقة، والتي دفعت الشبان إلى اعتكاف المنازل والحد من التجول في شوارع دمشق، إلا للضرورة القصوى، وعبر طرق التفافية تدرس قبل الخروج من المنزل، أو عبر إرسال "طفل صغير"، ليتأكد من عدم وجود دوريات أو باصات أمنية في الجوار.

يقول هاني: "مؤخراً، اعتكفت المنزل، وأنا سائق سرفيس، ركنت مركبتي بجانب المنزل وجلست مع العائلة، خوفاً من أن يتم اقتيادي إلى خدمة الاحتياط من على إحدى الحواجز الأمنية، فقد أكد لي صديقي الذي يعمل على خط جديدة عرطوز دمشق، بأن حاجز السومرية اقتاد أحد السائقين مؤخراً".

ويضيف: "لست وحيداً، هناك العديد من زملائي أوقفوا سياراتهم عن العمل لذات السبب، الله بعوضنا".

دمشق بلا شبّان!

العاصمة السورية تشهد منذ أيام، ما يشبه "منع التجوال"، حيث لوحظ غياب الشباب من الشوارع والمحلات التجارية، وحتى الوظائف الحكومية، إلى جانب أزمة وازدحام على وسائل النقل التي عزف أغلبها عن العمل مؤخراً.

رامي شاب من مواليد 1990، يعمل في القطاع الخاص، ولم يقتنع رب عمله بمنحه إجازة مفتوحة حتى تهدأ الأمور، فهو اليوم مضطر للذهاب إلى عمله من مساكن برزة إلى جرمانا.

وخلال هذا الطريق، هناك عدة حواجز أمنية، رسم الشاب خطة لتفاديها، عبر النزول من السرفيس قبل الحاجز بمسافة لا تقل عن 100 متر، وإكمال الطريق مشياً على الأقدام من الجهة المقابلة للحاجز، أو عبر المرور من أحياء إلتفافية.

يؤكد رامي أن الطريق إلى عمله بات يأخذ حوالي الساعتين والنصف يومياً، إضافة إلى ازدياد نفقاته على وسائط النقل لكثرة تبديلها على الطريق، لذلك اقترح عليه صديقه النوم برفقته في المكتب حتى تهدأ الأمور، وهو "الحل الأمثل"،  الذي اقتنع به رامي وبعض الشبان في الوظيفة، بعد موافقة رب العمل، الذي طالبهم بساعات عمل إضافية مقابل ذلك.

لا أمان في المنزل!

حتى الجلوس في المنزل ليس آمناً، بالنسبة لمحمود، وهو خريج جامعي حديث، ويحمل وثيقة تأجيل من الخدمة بجيش النظام، حتى الشهر الثالث فقط.

نبه ذويه بعدم فتح باب المنزل، قبل التأكد من الطارق، مؤكداً أنه يسعى للهجرة خلال هذه المدة القصيرة، بعد أن كان رافضاً للفكرة، ويريد اتمام دراسته العليا.

ويضيف محمود: "اليوم صرت مقتنعاً بالهجرة أكثر من السابق، فلست مستعداً لأن أحمل السلاح مرغماً، لدي مستقبل أريد أن أصنعه، وإلا سيتم اقتيادي إلى قطعة عسكرية بعيدة، ولن أعلم متى أنهي تلك الخدمة، وبذلك ستنتهي أحلامي بمجرد ارتديت تلك البزة المموهة".

شائعة أم حقيقة؟

ينتظر الشبان السوريون اليوم أي تصريح رسمي، ينفي أو يؤكد تلك الشائعات، التي تستعر يوماً بعد يوم، مع أمثلة ودلائل تنقل عبر "القيل والقال"، وكأن القيادة في دمشق فعلت ذلك قصداً لغاية ما.

الشائعة التي انتشرت مؤخراً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، هي صدور قرار من "رئاسة الجمهورية" في النظام السوري، باقتياد أي "شاب أو رجل" للخدمة في الجيش.

وعلى الرغم من أن "الرئاسة"، تصدر مراسيماً وليس قرارات، وكلمة اقتياد "شاب أو رجل" غير دقيقة، إضافة إلى وجود أخطاء إملائية ونحوية في الصيغة، إلا أن السكوت عن الموضوع يثير الخوف والريبة، بحسب سامر، وهو طالب جامعي في السنة الثالثة.

ويتابع أحمد: "أحد الحواجز مزق التأجيل الدراسي لأحد أصدقائي، وآخر احتجز صديقاً آخر لأكثر من ساعتين وأخذ كل معلوماته لأنه ضخم وعريض المنكبين، لست مضطراً للذهاب إلى الجامعة في هذه الفترة، وسأنام في مكان آمن وهو المدينة الجامعية، ولن أخرج منها حتى تنتهي هذه الهبة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق