هل تدفع هجمات باريس موسكو لدفع شبح "الإرهاب" عنها؟

هل تدفع هجمات باريس موسكو لدفع شبح "الإرهاب" عنها؟
القصص | 16 نوفمبر 2015

يمكننا القول أن شعبية روسيا قد وصلت حدودها الدنيا في العالم العربي عموماً وفي سوريا خصوصاً، منذ اللحظة التي قررت فيها الوقوف إلى جانب النظام السوري، إلى أن تدخلت عسكرياً بشكل مباشر، وقامت بقصف المدنيين السوريين، وقتلت منهم أكثر بكثير مما قتلت من الدواعش.

ورغم وقوف الغرب ضد هذا التدخل الروسي، فإنه يمكننا جيداً أن نلاحظ أن الارهاب الذي ضرب باريس في قلبها قد يؤدي إلى تغيير  موقف أوروبا، وخصوصاً باريس التي كان موقفها من النظام السوري ثابتاً، ورفضت بقاء هذا النظام، وكانت من بين أوائل الدول الأوروبية التي وقفت سياسياً بجانب الشعب السوري، وإنسانياً بجانب حقوق مواطنين يضطهدون ويعانون فقط لمطالب محقة رفعوها، فرنسا التي هددت باستخدام القوة عقاباً على استخدام الكيماوي ضد الأبرياء، وتأتي هذه الهجمات اليوم لتضع فرنسا خصوصاً والغرب عموماً أمام تهديد الإرهاب وتحوله عن القضية الأساسية ألا وهي: النظام السوري الذي يقتل شعبه!

من جهة أخرى يمكن لهذا التهديد الإرهابي الذي تحركه مجموعات راديكالية إسلامية بدأت التحقيقات تتكشف عنها، أن يدفع روسيا جدياً لإيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية، يدفع عن روسيا شبح الإرهاب. هي التي تعيش بين جنباتها أقلية مسلمة.

وبالتأكيد فإن المخرج السياسي الذي تسعى له روسيا يجب بالضرورة أن يحافظ على مصالحها في سوريا، قاعدة وحيدة في المياه الدافئة غير بعيداً عن الناتو وأنبوب الغاز الذي سيمتد بعيداً ولا يمكن لروسيا بحال من الأحوال التراجع عن مشروعها الذي بدأت حقاً تدفع ثمنه!.

لكن المستجد في باريس يجعل من المواطنين الروس المسلمين الثلاثين مليوناً، ومنهم مليونان في موسكو وحدها، حاضرين أكثر في حسابات روسيا الخارجية، روسيا التي باتت ترتعد، هي التي لم يرف لها جفن لكل الضحايا المدنيين الذين قتلتهم بقذائفها وصواريخها أملاً في بقاء النظام الحامي لمصالحها!.

لكن روسيا تعي اليوم جيداً أن بقاء هذا النظام يعني بالضرورة تدفق "المجاهدين" إلى عمقها، وأن قتل المدنيين للحفاظ على نظام يحقق مصالحها بات يثير غضب مسلمي العالم، وقد باتوا يعتبرون روسيا جزءاً من المشكلة، وباتوا يشعرون أكثر بثقل الاضطهاد في سوريا والعراق وبورما و...، خصوصاً بعد تورط كنيستها بوصف هذه الحرب بـ"الحرب المقدسة"!.

الروس يعلمون أن الاستبداد يولد العنف وأن بقاء هذا النظام يجذب العنف الديني الأخطر، كما يجذب المغناطيس برادة الحديد، وربما هذا ما سيدفع أكثر فأكثر نحو ايجاد بديل لهذا النظام، ولكن بأي اتجاه؟.

لروسيا اليوم، كما للغرب مصلحة في ايجاد مخرج ما، سياسي، يخفف من الاحتقان الطائفي، خصوصاً مع وصول الصراع العسكري إلى نهايته، فسوريا اليوم مدمرة اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، وهذا ما قد يرضي كل أعدائه، ويبدو أنه لا يغضب أصدقائها للحد الكافي للدفاع عنها، سوريا مدمرة من الداخل ولن تقوم بسنوات عديدة!.

الخطوط العريضة للجميع قد توضحت، وهذا ما أسهم في وضوح الرؤية في الورقة النهائية لاجتماع فيينا، ولم يتبقى إلا الاسراع في حسم الأمر قبل أن يكون الغرب ضحايا لمجازر أخرى، لا نتمنى وقوعها، نحن الذين عشنا المجازر سلسلة كدنا نخال أنها لا تنتهي. 

لكن يتبقى أن نعلم أن المشروع الغربي للحل في سوريا لا يضمن بالضرورة وطن العدالة والحرية والكرامة والديمقراطية الذي خرجنا نطالب به ودفعنا ثمن ذلك غالياً، وربما كان خطأنا منذ اللحظة الأولى أنه غاب عنا، أنه لا مصلحة لهذا العالم المادي بحلمنا في وطن حر وديمقراطي، وأن العالم يستطيع أن يفرض علينا رؤيته لوطننا وحياتنا، وإن لبعض الوقت.

*مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "روزنة".


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط "الكوكيز" لنمنحك أفضل تجربة مستخدم ممكنة. موافق